أعرضوا عن ذلك ، فلم يرفعوا به رأسا ، ولو جاءتهم كل آية ، ولهذا قال : { وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ } وفي إضافة الآيات إلى ربهم ، دليل على كمالها ووضوحها ، لأنه ما أبين من آية من آيات اللّه ، ولا أعظم بيانا .
وإن من جملة تربية اللّه لعباده ، أن أوصل إليهم الآيات التي يستدلون بها على ما ينفعهم ، في دينهم ودنياهم .
ومع تلك الآيات الواضحات فالعباد في غفلة ، لا تتوجه أنظارهم ، ولا تستيقظ قلوبهم ؛ ولا يكفون عن سخريتهم وتكذيبهم ، واستعجالهم بالعذاب الذي ينذرهم به المرسلون :
( وإذا قيل لهم : اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون . وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين . وإذا قيل لهم : أنفقوا مما رزقكم الله ، قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه ? إن أنتم إلا في ضلال مبين . ويقولون : متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ? ) . .
إن تلك الآيات بذاتها لا تثير في قلوبهم التطلع والتدبر والحساسية والتقوى . وهي بذاتها كافية أن تثير في القلب المفتوح هزة ورعشة وانتفاضة ؛ وأن تخلطه بهذا الوجود . هذا الكتاب المفتوح الذي تشير كل صفحة من صفحاته إلى عظمة الخالق ، ولطيف تدبيره وتقديره . ولكن هؤلاء المطموسين لا يرونها . وإذا رأوها لا يتدبرونها . والله - لعظيم رحمته - لا يتركهم مع هذا بلا رسول ينذرهم ويوجههم ويدعوهم إلى رب هذا الكون وبارى ء هذا الوجود . ويثير في قلوبهم الحساسية والخوف والتقوى ويحذرهم موجبات الغضب والعذاب ، وهي محيطة بهم ، من بين أيديهم ومن خلفهم ، إلا ينتبهوا لها يقعوا فيها في كل خطوة من خطواتهم . وتتوالى عليهم الآيات مضافة إلى الآيات الكونية التي تحيط بهم في حيثما يتجهون . ولكنهم مع هذا يظلون في عمايتهم سادرين :
( وإذا قيل لهم : اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون . وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ) . .
وتقدير كلامه : أنهم لا يجيبون إلى ذلك ويعرضون عنه . واكتفى عن ذلك بقوله : { وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ } أي : على التوحيد وصدق الرسل { إِلا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ } أي : لا يتأملونها ولا ينتفعون{[24765]} بها .
وقوله : { وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبّهمْ إلاّ كَانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ } يقول تعالى ذكره : وما تجيء هؤلاء المشركين من قريش آية ، يعني حجة من حُجَج الله ، وعلامة من علاماته على حقيقة توحيده ، وتصديق رَسُوله ، إلا كانوا عنها معرضين ، لا يتفكرون فيها ، ولا يتدبرونها ، فيعلموا بها ما احتجّ الله عليهم بها .
فإن قال قائل : وأين جواب قوله : { وَإذا قِيلَ لَهُمُ اتّقُوا ما بَيَنَ أيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ } ؟ قيل : جوابه وجواب قوله { وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبّهمْ } . . . قوله : { إلاّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ } ؛ لأن الإعراض منهم كان عن كلّ آية لله ، فاكتفى بالجواب عن قوله :
{ اتّقُوا ما بَينَ أيْدِيكُمْ }وعن قوله : وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ بالخبر عن إعراضهم عنها لذلك ؛ لأن معنى الكلام : وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم أعرضوا ، وإذا أتتهم آية أعرضوا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.