إنا صببنا الماء صبا . . وصب الماء في صورة المطر حقيقة يعرفها كل إنسان في كل بيئة ، في أية درجة كان من درجات المعرفة والتجربة . فهي حقيقة يخاطب بها كل إنسان . فأما حين تقدم الإنسان في المعرفة فقد عرف من مدلول هذا النص ما هو أبعد مدى وأقدم عهدا من هذا المطر الذي يتكرر اليوم ويراه كل أحد . وأقرب الفروض الآن لتفسير وجود المحيطات الكبيرة التي يتبخر ماؤها ثم ينزل في صورة مطر ، أقرب الفروض أن هذه المحيطات تكونت أولا في السماء فوقنا ثم صبت على الأرض صبا !
وفي هذا يقول أحد علماء العصر الحاضر : " إذا كان صحيحا أن درجة حرارة الكرة الأرضية وقت انفصالها عن الشمس كانت حوالي 12 . 000 درجة . أو كانت تلك درجة حرارة سطح الأرض . فعندئذ كانت كل العناصر حرة . ولذا لم يكن في الإمكان وجود أي تركيب كيميائي ذي شأن . ولما أخذت الكرة الأرضية ، أو الأجزاء المكونة لها في أن تبرد تدريجيا ، حدثت تركيبات ، وتكونت خلية العالم كما نعرفه . وما كان للأكسيجين والهيدروجين أن يتحدا إلا بعد أن هبطت درجة الحرارة إلى 4000 درجة فارنهايت . وعند هذه النقطة اندفعت معا تلك العناصر ، وكونت الماء الذي نعرفه الآن أنه هواء الكرة الأرضية . ولا بد أنه كان هائلا في ذلك الحين . وجميع المحيطات كانت في السماء . وجميع تلك العناصر التي لم تكن قد اتحدت كانت غازات في الهواء . وبعد أن تكون الماء في الجو الخارجي سقط نحو الأرض . ولكنه لم يستطع الوصول إليها . إذ كانت درجة الحرارة على مقربة من الأرض أعلى مما كانت على مسافة آلاف الأميال . وبالطبع جاء الوقت الذي صار الطوفان يصل فيه إلى الأرض ليطير منها ثانيا في شكل بخار . ولما كانت المحيطات في الهواء فإن الفيضانات التي كانت تحدث مع تقدم التبريد كانت فوق الحسبان . وتمشى الجيشان مع التفتت . . . . . الخ " .
وهذا الفرض - ولو أننا لا نعلق به النص القرآني - يوسع من حدود تصورنا نحن للنص والتاريخ الذي يشير إليه . تاريخ صب الماء صبا . وقد يصح هذا الفرض ، وقد تجد فروض أخرى عن أصل الماء في الأرض . ويبقى النص القرآني صالحا لأن يخاطب به كل الناس في كل بيئة وفي كل جيل .
ذلك كان أول قصة الطعام : ( أنا صببنا الماء صبا ) . . ولا يزعم أحد أنه أنشأ هذا الماء في أي صورة من صوره ، وفي أي تاريخ لحدوثه ؛ ولا أنه صبه على الأرض صبا ، لتسير قصة الطعام في هذا الطريق !
قوله : أنّا صَبَبْنا الماءَ صَبّا يقول : أنا أنزلنا الغيث من السماء إنزالاً ، وصببناه عليها صبا ثُمّ شَقَقْنا الأرْضَ شَقّا يقول : ثم فتقنا الأرض ، فصدّعناها بالنبات فأنْبَتْنا فِيها حَبا : يعني حبّ الزرع ، وهو كلّ ما أخرجته الأرض من الحبوب ، كالحنطة والشعير وغير ذلك وَعِنَبا يقول : وكرم عنب . وَقَضْبا يعني بالقَضْب : الرّطْبة ، وأهل مكة يسمون القَتّ القَضْب . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَقَضْبا يقول : الفِصفِصة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَقَضْبا قال : والقضب : الفَصافِص . قال أبو جعفر رحمه الله : الفِصفصة : الرّطبة .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَقَضْبا يعني الرطبة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد ، قال : حدثنا يونس ، عن الحسن ، في قوله : وَقَضْبا قال : القضب : العَلَف .
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي : «أنّا صببنا » بفتح الألف على البدل وهي قراءة الأعرج وابن وثاب والأعمش ، ورد على هذا الإعراب قوم بأن الثاني ليس الأول وليس كما ردوا لأن المعنى : { فلينظر الإنسان } إلى إنعامنا في طعامه فترتب البدل وصح ، «وأنا » في موضع خفض ، وقرأ الجمهور : «إنا » بكسر الألف على استئناف تفسير الطعام ، وقرأ بعض القراء : «أنى » بمعنى كيف ذكرها أبو حاتم ، و «صب الماء » : هو المطر
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.