وبالقمر إذا تلاها . . إذا تلا الشمس بنوره اللطيف الشفيف الرائق الصافي . . وبين القمر والقلب البشري ود قديم موغل في السرائر والأعماق ، غائر في شعاب الضمير ، يترقرق ويستيقظ كلما التقى به القلب في اية حال . وللقمر همسات وإيحاءات للقلب ، وسبحات وتسبيحات للخالق ، يكاد يسمعها القلب الشاعر في نور القمر المنساب . . وإن القلب ليشعر أحيانا أنه يسبح في فيض النور الغامر في الليلة القمراء ، ويغسل أدرانه ، ويرتوي ، ويعانق هذا النور الحبيب ويستروح فيه روح الله .
وقوله : وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها يقول تعالى ذكره : والقمر إذا تَبِع الشمس ، وذلك في النصف الأوّل من الشهر ، إذا غُرِبت الشمسَ ، تلاها القمر طالعا . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس وَالقَمَرِ إذَا تَلاها قال : يتلو النهار .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا عبد الملك ، عن قيس بن سعد ، عن مجاهد ، قوله : وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها يعني : الشمس إذا تبعها القمر .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها قال : تبعها .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها يتلوها صبيحة الهلال فإذا سقطت الشمس رُؤي الهلال .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها قال : إذا تلاها ليلة الهلال .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : والشّمْسِ وَضُحاها وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها قال : هذا قسم ، والقمر يتلو الشمس نصف الشهر الأوّل ، وتتلوه النصف الاَخر ، فأما النصف الأوّل فهو يتلوها ، وتكون أمامه وهو وراءها ، فإذا كان النصف الاَخر كان هو أمامها يقدمها ، وتليه هي .
والتلُوَّ : التبع وأريد به خَلف ضوئه في الليل ضوءَ الشمس ، أي إذا ظهر بعد مغيبها فكأنه يتبعها في مكانها ، وهذا تلو مجازي . والقمر يتبع الشمس في أحوال كثيرة منها استهلاله ، فالهلال يظهر للناظرين عقب غروب الشمس ثم يبقى كذلك ثلاث ليال ، وهو أيضاً يَتلو الشمس حين يقارب الابتدارَ وحين يصير بدراً فإذا صار بدراً صار تُلوّه الشمسَ حقيقة لأنه يظهر عندما تغرب الشمس ، وقريباً من غروبها قبله أو بعده ، وهو أيضاً يضيء في أكثر ليالي الشهر جعله الله عوضاً عن الشمس في عدة ليال في الإِنارة ، ولذلك قُيّد القسم بحين تلوه لأن تلوه للشمس حينئذ تظهر منه مظاهر التلوّ للناظرين ، فهذا الزمان مثل زمان الضحى في القسم به ، فكان بمنزلة قَسَم بوقت تُلوه الشمس ، فحصل القسم بذات القمر وبتلوه الشمس .
وفي الآية إشارة إلى أن نور القمر مستفاد من نور الشمس ، أي من توجه أشعة الشمس إلى ما يقابل الأرض من القمر ، وليس نيّراً بذاته ، وهذا إعجاز علمي من إعجاز القرآن وهو مما أشرت إليه في المقدمة العاشرة .
وابتدىء بالشمس لمناسبة المقام إيماء للتنويه بالإِسلام لأن هديه كنور الشمس لا يترك للضلال مسلكاً ، وفيه إشارة إلى الوعد بانتشاره في العالم كانتشار نور الشمس في الأفق ، واتبع بالقمر لأنه ينير في الظلام كما أنار الإِسلام في ابتداء ظهوره في ظلمة الشرك ، ثم ذكر النهار والليل معه لأنهما مثل لوضوح الإسلام بعد ضلالة الشرك وذلك عكس ما في سورة الليل لما يأتي .
ومناسبة استحضار السماء عقب ذكر الشمس والقمر ، واستحضار الأرض عقب ذكر النهار والليل ، واضحة ، ثم ذكرت النفس الإنسانية لأنها مظهر الهدى والضلال وهو المقصود .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.