القول في تأويل قوله تعالى : { فَأَخَذَتْهُمُ الرّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } . .
يقول : فأخذت الذين كفروا من قوم شعيب الرجفة ، وقد بينت معنى الرجفة قبل ، وأنها الزلزلة المحرّكة لعذاب الله . فأصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جاثِمِينَ على ركبهم موتى هلكى .
وكانت صفة العذاب الذي أهلكهم الله به كما :
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَإلى مَدْيَنَ أخاهُمْ شُعَيْبا قال : إن الله بعث شعيبا إلى مَدْينَ ، وإلى أصحاب الأيكة والأيكة : هي الغيضة من الشجر وكانوا مع كفرهم يبخَسُون الكيل والميزان ، فدعاهم فكذّبوه ، فقال لهم ما ذكر الله في القرآن ، وما ردّوا عليه ، فلما عتوا وكذّبوه ، سألوه العذاب ، ففتح الله عليهم بابا من أبواب جهنم ، فأهلكهم الحرّ منه ، فلم ينفعهم ظلّ ولا ماء ، ثم إنه بعث سحابة فيها ريح طيبة ، فوجدوا برد الريح وطيبها ، فتنادوا : الظلة ، عليكم بها فلما اجتمعوا تحت السحابة رجالهم ونساؤهم وصبيانهم ، انطبقت عليهم ، فأهلكتهم ، فهو قوله : فَأخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمَ الظّلّةِ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : كان من خبر قصة شعيب وخبر قومه ، ما ذكر الله في القرآن ، كانوا أهلَ بخْس للناس في مكاييلهم وموازينهم ، مع كفرهم بالله وتكذيبهم نبيهم وكان يدعوهم إلى الله وعبادته وترك ظلم الناس وبخسهم في مكاييلهم وموازينهم فقال نُصْحا لهم وكان صادقا : ما أُرِيدُ أنْ أُخالِفَكُمْ إلى ما أنهاكُمْ عَنْهُ إنْ أُرِيدُ إلاّ الإصْلاحَ ما اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقي إلا باللّهِ عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ وَإلَيْهِ أُنِيبُ قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر لي يعقوب بن أبي سلمة إذا ذكر شعيبا ، قال : «ذَاكَ خَطِيبُ الأنْبِياءِ » لحسن مراجعته قومه فيما يراد بهم ، فلما كذبوه وتوعدوه بالرجم والنفي من بلادهم ، وعتوا على الله ، أخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم ، فبلغني أن رجلاً من أهل مدين يقال له عمرو بن جلهاء لما رآها قال :
يا قَوْمِ إنّ شُعَيْبا مُرْسَلٌ فَذَرُوا ***عَنْكُمْ سَمِيرا وعِمْرَانَ بْنَ شَدّادِ
إنّي أرَى غَيْمَةً يا قومِ قد طَلَعَتْ ***تَدْعُو بصَوْتٍ على صَمّانَة الوَادِي
وإنّكم إنْ تَرَوْا فِيها ضَحاةَ غَدٍ ***إلاّ الرّقِيمَ يُمَشّي بينَ أنجادِ
وسمير وعمران : كاهناهم ، والرقيم : كلبهم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : ثني ابن إسحاق ، قال : فبلغني والله أعلم أن الله سلط عليهم الحرّ حتى أنضجهم ، ثم أنشأ لهم الظلة كالسحابة السوداء ، فلما رأوها ابتدروها يستغيثون ببردها مما هم فيه من الحرّ ، حتى إذا دخلوا تحتها أُطبقت عليهم ، فهلكوا جميعا ، ونجى الله شعيبا والذين آمنوا معه برحمته .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثني أبو عبد الله البجلي ، قال : أبو جاد ، وهوّز ، وحُطي ، وسعفص ، وقرشت : أسماء ملوك مدين ، وكان ملكهم يوم الظلة في زمان شعيب كلمون ، فقالت أخت كلمون تبكيه :
كَلَمُونُ هَدّ رُكْنِي ***هُلْكُهُ وَسْطَ المَحِلّهْ
( والفاء ) في : { فأخذتهم الرجفة } للتعقيب ، أي : كان أخذ الرجفة إياهم عقب قولهم لقومهم ما قالوا .
وتقدم تفسير : { فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين } في نظيرها من قصة ثمود .
والرجفة التي أصابت أهل مدين هي صواعق خرجت من ظُلة ، وهي السحابة ، قال تعالى في سورة الشعراء ( 189 ) . { فأخَذَهم عذابُ يوم الظلة } وقد عبر عن الرجفة في سورة هود بالصيحة فتعين أن تكون من نوع الأصوات المنشقة عن قالع ومقلوع لا عن قارع ومقروع وهو الزلزال ، والأظهر أن يكون أصابهم زلزال وصواعق فتكون الرجفة الزلزال والصيحة الصاعقة كما يدل عليه قوله : { كأن لم يَغْنَوا فيها } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.