وقوله - سبحانه - : { وَحُمِلَتِ الأرض والجبال فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً } بيان لما ترتب على تلك النفخة الهائلة من آثار .
والمراد بحمل الأرض والجبال : إزالتهما من أماكنهما ، وتفريق أجزائهما .
والدك : هو الدق الشديد الذى يترتب عليه التكسير والتفتيت للشئ .
أى : عندما ينفخ إسرافيل فى الصور بأمرنا نفخة واحدة ، وعندما تزال الأرض والجبال عن أماكنهما ، وتتفتت أجزاؤهما تفتتا شديدا .
وقرأ جمهور القراء : «وحمَلت » بتخفيف الميم بمعنى حملتها الرياح والقدرة ، وقرأ ابن عباس فيما روي عنه : «وحمّلت » بشد الميم ، وذلك يحتمل معنيين أحدهما أنها حاملة حملت قدرة وعنفاً وشدة نفثها فهي محملة حاملة . والآخر أن يكون محمولة حملت ملائكة أو قدرة . وقوله تعالى : { فدكتا } وقد ذكر جمعاً ساغ ، ذلك لأن المذكور فرقتان وهذا كما قال الشاعر [ القطامي ] : [ الوافر ]
ألم يحزنك أن حبال قومي*** وقومك قد تباينتا انقطاعا{[11285]}
ومنه قوله تعالى : { كانتا رتقاً }{[11286]} [ الأنبياء : 30 ] و { دكتا } معناه : سوى جميعها كما يقال : ناقة دكاً : إذا ضعفت فاستوت حدبتها مع ظهرها .
وجملة { وحُملت الأرض والجبال } الخ في موضع الحال لأن دَكّ الأرضضِ والجبال قد يحصل قبل النفخ في الصور لأن به فناء الدنيا .
ومعنى { حُملت } : أنها أُزيلت من أماكنها بأن أُبعدت الأرض بجبالها عن مدارها المعتاد فارتطمت بأجرام أُخرى في الفضاء { فدكَّتا } ، فشبهت هذه الحالة بحمل الحامل شيئاً ليلقيه على الأرض ، مثل حمل الكرة بين اللاعبين ، ويجوز أن يكون تصرف الملائكة الموكلين بنقض نظام العالم في الكرة الأرضية بإبعادها عن مدارها مشبهاً بالحمل وذلك كله عند اختلال الجاذبية التي جعلها الله لحفظ نظام العالم إلى أمد معلوم لله تعالى .
والدك : دَقّ شديد يكسر الشيء المدقوق ، أي فإذا فرقت أجزاء الأرض وأجزاء جبالها .
وبنيت أفعال { نفخ ، وحُملت ، ودُكّتا } للمجهول لأن الغرض متعلق ببيان المفعول لا الفاعل وفاعل تلك الأفعال إما الملائكة أو ما أودعه الله من أسباب تلك الأفعال ، والكل بإذن الله وقدرته .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وحملت الأرض} يقول: حمل ما على الأرض من ماء، أو شجر أو شيء {و} حملت {والجبال} من أماكنها فضربت على الأرض {فدكتا دكة واحدة} يعني فكسرتا كسرة واحدة، فاستوت بما عليها مثل الأديم الممدود...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"وحُمِلَتِ الأرْضُ والجِبالُ فَدُكّتا دَكّةً وَاحِدَةً": فزلزلتا زلزلة واحدة.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قيل: هدمتا هدمة واحدة، فكأنه يقول، والله أعلم: تتزلزل الأرض، فتقذف ما في بطنها من الغسول، وتخرج ما فيها من الجواهر التي ليست منها بتلك الدكة [وتخرج] أصول الجبال منها، ثم يجعله الله تعالى {كئيبا مهيلا} [المزمل: 14]، ثم يعمل عليه الريح، فيجعله {هباء منثورا} [الفرقان 23] ويريه من لينه {وتكون الجبال كالعهن} [المعارج: 9 والقارعة: 5] ثم يسير مثل السحاب، فيقع في شعاب الأرض والأودية والأماكن المختلفة، فتصير الأرض كما قال تعالى: {فيذرها قاعا صفصفا} {لا ترى فيها عوجا ولا أمتا} [طه: 106و 107].
وهكذا الريح إذا عملت على شيء [تقع عليه] تفرقه في النواحي، وتسوي بين الشقوق، وتبسطه على وجه الأرض.
وقوله عز وجل {وحملت الأرض} ليس أنها تحمل من مكان، ولكن تدخل هذه في هذه، وتضرب على هذه بالدكة، فتصير كأنها حملت لذلك.
وإذا كان كذلك فقد وقعت الواقعة يومئذ. وهذا على اختلاف الأوقات ليكون معنى الآيات التي جاءت في الجبال على السواء، والله أعلم.
وقيل في آيات أخر بيان آخر: بيان تقديم فناء الجبال قبل الأرض بقوله: {ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا} {فيذرها قاعا صفصفا} [طه: 105و 106] أي يذر الأرض قاعا صفصفا وغيره من الآيات مما يدل على تقديم فناء الجبال قبلها.
فأما أن يكون معنى تبديل الأرض تغييرها عن الحالة التي هي عليها اليوم من انهدام البنيان واستواء الأودية وإزالة الجبال على ما جاء في الأخبار، فسمي لذلك تبديلا كما يقال لمن تغير عن الحالة الحسنة إلى غيرها: تبدلت، يراد أي تغيرت عن حالتك.
فعلى ذلك معنى الآية، أي تتكسر الجبال وتتغير حالة الأرض في دفعة واحدة، أو يكون في الآية إخبار عن شدة الفزع في ذلك اليوم: أن بدكة واحدة تفنى الجبال، وإن كان إفناء الجبال قبل إفناء الأرض، ليس أنهما تفنيان جميعا بدفعة واحدة لكن بالدكة الواحدة تهلك الجبال والأرض، فيكون المراد بيان شدة اليوم وهوله لا بيان ترتيب فناء الأرض البعض على البعض، والله أعلم.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
معناه بسطتا بسطة واحدة، ومنه الدكان، ويقال: اندك سنام البعير إذا انفرش في ظهره.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما ذكر التأثير في الأحياء، أتبعه التأثير في الجمادات، وبدأ بالسفليات لملابستها للإنسان فتكون عبرته بها أكثر فقال: {وحملت} أي بمجرد القدرة {الأرض} أي المنبسطة ورجت رجاً {والجبال} أي التي بها ثباتها فرفعت من أماكنها، وبستا بساً فكانت هباء منبثاً، لم يبق فيهما حجر ولا كدية. ولما أريد قوة الدك والإبلاغ في تأثيره، جعل الجبال شيئاً واحداً فقال: {فدكتا} أي مسحت الجملتان الأرض و أوتادها وبسطتا ودق بعضها ببعض {دكة واحدة} أي فصارتا كثيباً مهيلاً وسويتا بأيسر أمر فلم يميز شيء منهما من الآخر، بل صارا في غاية الاستواء.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة، فتبع هذه النفخة تلك الحركة الهائلة: (وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة).. ومشهد حمل الأرض والجبال ونفضها ودكها دكة واحدة تسوي عاليها بسافلها.. مشهد مروع حقا. هذه الأرض التي يجوس الإنسان خلالها آمنا مطمئنا، وهي تحته مستقرة مطمئنة. وهذه الجبال الراسية الوطيدة الراسخة التي تهول الإنسان بروعتها واستقرارها.. هذه مع هذه تحمل فتدك كالكرة في يد الوليد.. إنه مشهد يشعر معه الإنسان بضآلته وضآلة عالمه إلى جانب هذه القدرة القادرة، في ذلك اليوم العظيم..
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
(وحملت الأرض والجبال فدكتّا دكة واحدة). «دكّ» كما يقول الراغب في المفردات، وفي الأصل بمعنى (الأرض المستوية) ولأنّ الأرض غير المستوية تحتاج إلى الدك حتّى تستوي، لذا استعمل هذا المصطلح في الكثير من الموارد بمعنى «الدق الشديد». كما يستفاد من مصادر اللغة أنّ أصل معنى (دك) هو (الدقّ والتخريب) ولازم ذلك الاستواء، لذا استعمل هذا المصطلح في هذا المعنى أيضاً. وعلى كلّ حال فإنّ المقصود من هذه الكلمة في الآية مورد البحث هو الدقّ الشديد للجبال والأراضي اللامستوية بعضها ببعض بحيث تستوي وتتلاشى فيها جميع التعرجات.