اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَحُمِلَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَٱلۡجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةٗ وَٰحِدَةٗ} (14)

قوله : { وَحُمِلَتِ الأرض } ، قرأ العامة : بتخفيف «الميم » .

أي : وحملتها الريحُ ، أو الملائكةُ ، أو القدرةُ ، أي : رفعتْ من أماكنها ، «فَدُكَّتا » ، أي : فُتَّتَا وكسِّرتا ، { دَكَّةً وَاحِدةً } أي : الأرض والجبالُ ؛ لأن المراد الشيئان المتقدمان ، كقوله : { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا }[ الحجرات : 9 ] .

ولا يجوزُ في «دكَّةً » إلا النصبُ ؛ لارتفاع الضمير في «دُكَّتَا »{[57764]} .

وقال الفرَّاءُ : لم يقلْ : «فَدُكِكْنَ » ؛ لأنه جعل الجبال كلها كالجملةِ الواحدة [ والأرض كالجملة الواحدة ] ومثله : { أَنَّ السماوات والأرض كَانَتَا رَتْقاً }[ الأنبياء : 30 ] ، ولم يقل : «كُنَّ » .

وهذا الدَّكُّ ، كالزلزلةِ لقوله تعالى : { إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض زِلْزَالَهَا }[ الزلزلة : 1 ] .

وإما بريح بلغت من قوة عصفها أنَّها تحمل الأرض والجبال ، أو بملك من الملائكة ، أو بقدرة الله ، «فَدُكَّتَا » ، أي : جملة الأرض ، وجملة الجبال تضرب بعضها في بعض حتى تندق وتصير { كَثِيباً مَّهِيلاً }[ المزمل : 14 ] ، و { هَبَاءً مُّنبَثّاً }[ الواقعة : 6 ] .

والدَّكُّ أبلغُ من الدَّق وقيل : «دُكَّتا » أي : بُسطتا بسطةً واحدةً ، ومنه اندكَّ سنامُ البعير ، إذا انفرش في ظهره .

وقرأ ابن عامرٍ{[57765]} في رواية ، والأعمش ، وابن أبي عبلة وابن مقسم : «وحُمِّلت » - بتشديد الميم - .

فجاز أن يكون التشديد للتكثير ، فلم يكسب الفعل مفعولاً آخر .

وجاز أن يكون للتعدية فيكسبه مفعولاً آخر ، فيحتمل أن يكون الثاني محذوفاً ، والأول هو القائمُ مقام الفاعلِ تقديره : وحُمِّلت الأرض والجبال ريحاً تفتتها ، لقوله : { فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً }[ طه : 105 ] .

وقيل : التقدير : حملنا ملائكة ، ويحتمل أن يكون الأول هو المحذوف ، والثاني هو القائم مقام الفاعل .


[57764]:القرطبي 18/172.
[57765]:ينظر: البحر المحيط 8/317، والدر المصون 6/363.