الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَحُمِلَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَٱلۡجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةٗ وَٰحِدَةٗ} (14)

قوله تعالى : " وحملت الأرض والجبال " قراءة العامة بتخفيف الميم ، أي رفعت من أماكنها . " فدكتا " أي فتتا وكسرتا . " دكة واحدة " لا يجوز في " دكة " إلا النصب لارتفاع الضمير في " دكتا " . وقال الفراء : لم يقل فدككن لأنه جعل الجبال كلها كالجملة الواحدة ، والأرض كالجملة الواحدة . ومثله : " أن السموات والأرض كانتا رتقا{[15304]} " [ الأنبياء : 30 ] ولم يقل كن . وهذا الدك كالزلزلة ، كما قال تعالى : " إذا زلزلت الأرض زلزالها " [ الزلزلة : 1 ] . وقيل : " دكتا " أي بسطتا بسطة واحدة ، ومنه اندك سنام البعير إذا انفرش في ظهره . وقد مضى في سورة " الأعراف{[15305]} " القول فيه . وقرأ عبدالحميد عن ابن عامر " وحملت الأرض والجبال " بالتشديد على إسناد الفعل إلى المفعول الثاني . كأنه في الأصل وحملت قدرتنا أو ملكا من ملائكتنا الأرض والجبال ، ثم أسند الفعل إلى المفعول الثاني فبني له . ولو جيء بالمفعول الأول لأسند الفعل إليه ، فكأنه قال : وحملت قدرتنا الأرض . وقد يجوز بناؤه للثاني على وجه القلب فيقال : حُمِّلَت الأرضُ الملَك ؛ كقولك : أُلبِس زيدٌ الجبة ، وأُلبِست الجبةُ زيداً .


[15304]:راجع جـ 11 ص 282.
[15305]:راجع جـ 7 ص 278.