{ هَمَّازٍ } أى : عياب للناس ، أو كثير الناس الاغتياب لهم ، من الهمز ، وأصله : الطعن فى الشئ بعود أو نحوه ، ثم استعير للذى يؤذى الناس بلسانه وبعينه وبإرشاته ، ويقع فيهم بالسوء ، ومنه قوله - تعالى - : { ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } { مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ } أى : يقال للحديثي السَّيَّئ لكى يفسد بين الناس . . والنميم والنميمة مصدران بمعى السعاية والإِفساد . يقال : نَمَّ فلان الحديث - من بابى قتل وضرب - إذا سار بين الناس بالفتنة .
وأصل النم : الهمس والحركة الخفيفة ثم استعملت فى السعى بين الناس بالفساد على سبيل المجاز .
وقوله { هَمَّازٍ } قال ابن عباس وقتادة : يعني الاغتياب .
{ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ } يعني : الذي يمشي بين الناس ، ويحرش بينهم وينقل الحديث لفساد ذات البين وهي الحالقة ، وقد ثبت في الصحيحين من حديث مجاهد ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال : " إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فكان لا يستتر{[29165]} من البول ، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة " الحديث . وأخرجه بقية الجماعة في كتبهم ، من طرق عن مجاهد ، به{[29166]} .
وقال أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن هَمّام ؛ أن حُذَيفة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يدخل الجنة قَتَّات " .
رواه الجماعة - إلا ابن ماجة - من طرق ، عن إبراهيم ، به{[29167]} .
وحدثنا عبد الرزاق ، حدثنا الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن همام ، عن حذيفة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يدخل الجنة قتات " يعني : نماما{[29168]} .
وحدثنا يحيى بن سعيد القطان أبو سعيد الأحول ، عن الأعمش ، حدثني إبراهيم - منذ نحو ستين سنة - عن همام بن الحارث قال : مر رجل على حذيفة فقيل : إن هذا يرفع الحديث إلى الأمراء . فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - أو : قال - : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة قتات " {[29169]} .
وقال أحمد : حدثنا هاشم ، حدثنا مهدي ، عن واصل الأحدب ، عن أبي وائل قال : بلغ حذيفة عن رجل أنه ينم الحديث ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يدخل الجنة نمام " {[29170]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا مَعْمَر ، عن ابن خُثَيم ، عن شَهْر بن حَوْشَب ، عن أسماء بنت يزيد بن السكن ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ألا أخبركم بخياركم ؟ " . قالوا : بلى يا رسول الله . قال : " الذين إذا رُؤوا ذُكر الله ، عز وجل " . ثم قال : " ألا أخبركم بشراركم ؟ المشاءون بالنميمة ، المفسدون بين الأحبة ، والباغون للبرآء العَنَت " .
ورواه ابن ماجة ، عن سويد بن سعيد ، عن يحيى بن سليم ، عن ابن خُثَيم ، به{[29171]} .
وقال الإمام أحمد حدثنا سفيان ، عن ابن أبي حُسَين ، عن شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن غَنْم - يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم : " خيار عباد الله الذين إذا رؤوا ذكر الله ، وشرار عباد الله المشاؤون بالنميمة ، المفرقون بين الأحبة ، الباغون للبرآء العنت " {[29172]}
والهماز : الذي يقع في الناس ، وأصل الهمز في اللغة : الضرب طعناً باليد أو بالعصا أو نحوه ، ثم استعير للذي ينال بلسانه ، قال المنذر بن سعيد : وبعينه وإشارته ، وسميت الهمزة ، لأن في النطق بها حدة ، وعجلة ، فأشبهت الهمز باليد . وقيل لبعض العرب : أتهمز الفأرة ؟ قال : الهرة تهمزها ، وقيل لآخر أتهمز إسرائيل : فقال : إني إذاً لرجل سوء . والنميم : مصدر كالنميمة . وهو نقل ما يسمع مما يسوء ويحرش النفوس . وروى حذيفة أن النبي قال : «لا يدخل الجنة قتات »{[11239]} ، وهو النمام ، وذهب كثير من المفسرين إلى أن هذه الأوصاف هي أجناس لم يرد بها رجل بعينه ، وقالت طائفة : بل نزلت في معين ، واختلف فيه ، فقال بعضها : هو الوليد بن المغيرة ، ويؤيد ذلك غناه ، وأنه أشهرهم بالمال والبنين ، وقال الشعبي وغيره : هو الأخنس بن شريق ، ويؤيد ذلك أنه كانت له هنة في حلقه كزنمة الشاة ، وأيضاً فكان من ثقيف ملصقاً في قريش ، وقال ابن عباس في كتاب الثعلبي : هو أبو جهل ، وذكر النقاش : عتبة بن ربيعة ، وقال مجاهد : هو الأسود بن عبد يغوث ، وظاهر اللفظ عموم من هذه صفته ، والمخاطبة بهذا المعنى مستمرة باقي الزمن ، لا سيما لولاة الأمور .
الهمّاز كثير الهمزة . وأصل الهمز : الطعن بعود أو يد ، وأطلق على الأذى بالقول في الغيبة على وجه الاستعارة وشاع ذلك حتى صار كالحقيقة وفي التنزيل { ويل لكلّ هُمَزَة } [ الهمزة : 1 ] .
وصيغة المبالغة راجعة إلى قوة الصفة ، فإذا كان أذى شديداً فصاحبه { همّاز } وإذا تكرر الأذى فصاحبه { همّاز } .
المشَاء بالنميم : الذي يَنِمّ بين الناس ، ووصفه بالمشّاء للمبالغة . والقول في هذه المبالغة مثل القول في { هَمَّازهَمَّازٍ مَّشَّآءِ } وهذه رَابعَة المذامّ .
والمشي : استعارة لتشويه حاله بأنه يتجشم المشقة لأجل النميمة مثل ذِكر السعي في قوله تعالى : { ويسعَوْن في الأرض فساداً } [ المائدة : 64 ] ، ذلك أن أسماء الأشياء المحسوسة أشدّ وقعاً في تصوّر السامع من أسماء المعقولات ، فذِكر المشي بالنميمة فيه تصوير لحال النمّام ، ألا ترى أن قولك : قُطِع رأسُه أوقعُ في النفس من قولك : قُتِل ، ويدل لذلك أنه وقع مثله في قول النبي صلى الله عليه وسلم « وأمَّا الآخَرُ فكان يمشي بالنميمة »
والنميم : اسم مرادف للنميمة ، وقيل : النميم جمع نميمة ، أي اسمُ جمع لنميمة إذا أريد بها الواحدة وصيرورتُها اسماً .