{ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ التي فَعَلْتَ } وهى قتلك لرجل من شيعتى { وَأَنتَ مِنَ الكافرين } .
أى : وأنت من الجاحدين بعد ذلك لنعمتى التى أنعمتها عليك ، فى حال طفولتك ، وفى حال صباك ، وفى حال شبابك .
لأنك جئتنى أنت وأخوك بما يخالف ديننا ، وطلبتما منا أن نرسل معكما بنى إسرائيل . فهل هذا جزاء إحسانى إليك ؟
وهكذا نرى فرعون يوجه إلى موسى - عليه السلام - تلك الأسئلة على سبيل الإنكار عليه لما جاء به ، متوهما أنه قد قطع عليه طريق الإجابة .
ولكن موسى - عليه السلام - وقد استجاب الله - تعالى - دعاءه ، وأزال عقدة لسانه ، رد عليه ردا حكيما ، فقال - كما حكى القرآن عنه : { قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ الضالين } .
[ أي : أما أنت الذي ربيناه فينا{[21699]} ] ، وفي بيتنا وعلى فراشنا [ وغذيناه{[21700]} ] ، وأنعمنا عليه مدة من السنين ، ثم بعد هذا قابلت ذلك الإحسان بتلك الفعلة ، أن قتلت منا رجلا وجحدت نعمتنا عليك ؛ ولهذا قال : { وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ } أي : الجاحدين . قاله ابن عباس ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، واختاره ابن جرير .
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ أَلَمْ نُرَبّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ } .
وفي هذا الكلام محذوف استغني بدلالة ما ظهر عليه منه ، وهو : فأتيا فرعون فأبلغاه رسالة ربهما إليه ، فقال فرعون : ألم نر بك فينا يا موسى وليدا ، ولبثت فينا من عمرك سنين ؟ وذلك مكثه عنده قبل قتل القتيل الذي قتله من القبط ، ( وفعلت فعلتك التي فعلت ) يعني : قتله النفس التي قتل من القبط . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَفَعَلْتَ فعْلَتَكَ التي فَعَلْتَ وأنْتَ مِنَ الكافِرِينَ قال فعلتها إذا وأنا من الضالين . قال : قتل النفس .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .
وإنما قيل وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ لأنها مرّة واحدة ، ولا يجوز كسر الفاء إذا أريد بها هذا المعنى . وذُكر عن الشعبي أنه قرأ ذلك : «وَفَعَلْتَ فِعْلَتَكَ » بكسر الفاء ، وهي قراءة لقرّاءة القرّاء من أهل الأمصار مخالفة .
وقوله : وأنْتَ مِنَ الكافِرِينَ اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : وأنت من الكافرين بالله على ديننا . ذكر من قال ذلك :
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ التي فَعَلْتَ وأنْتَ مِنَ الكافِرِينَ يعني على ديننا هذا الذي تعيب .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وأنت من الكافرين نعمتنا عليك . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ التي فَعَلْتَ وأنْتَ مِنَ الكافِرِينَ قال : ربيناك فينا وليدا ، فهذا الذي كافأتنا أن قتلت منا نفسا ، وكفرت نعمتنا
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس وأنْتَ مِنَ الكافِرِينَ يقول : كافرا للنعمة لأن فرعون لم يكن يعلم ما الكفر .
قال أبو جعفر : وهذا القول الذي قاله ابن زيد أشبه بتأويل الاَية ، لأن فرعون لم يكن مقرّا لله بالربوبية وإنما كان يزعم أنه هو الربّ ، فغير جائز أن يقول لموسى إن كان موسى كان عنده على دينه يوم قتل القتيل على ما قاله السديّ : فعلت الفعلة وأنت من الكافرين ، الإيمان عنده : هو دينه الذي كان عليه موسى عنده ، إلا أن يقول قائل : إنما أراد : وأنت من الكافرين يومئذ يا موسى ، على قولك اليوم ، فيكون ذلك وجها يتوجه . فتأويل الكلام إذن : وقتلت الذي قتلت منا وأنت من الكافرين نعمتنا عليك ، وإحساننا إليك في قتلك إياه . وقد قيل : معنى ذلك : وأنت الاَن من الكافرين لنعمتي عليك ، وتربيتي إياك .
ثم قرره على قتل القبطي بقوله { وفعلت فعلتك } والفَعلة بفتح الفاء المرة من الفعل ، وقرأ الشعبي «فِعلتك » بكسر الفاء وهي هيئة الفعل ، وقوله { وأنت من الكافرين } ، يحتمل ثلاثة أوجه : أحدها أن يريد وقتلت القبطي { وأنت } في قتلك إياه { من الكافرين } إذ هو نفس لا يحل قتله قاله الضحاك ، أو يريد { وأنت من الكافرين } بنعمتي في قتلك إياه قاله ابن زيد ، وهذان بمعنى واحد في حق لفظ الكفر ، وإنما اختلفا باشتراك لفظ الكفر والثاني أن يكون بمعنى الهزء على هذا الدين فأنت من الكافرين بزعمك قاله السدي ، والثالث هو قول الحسن أن يريد { وأنت من الكافرين } الآن يعني فرعون بالعقيدة التي كان يبثها فيكون الكلام مقطوعاً من قوله { وفعلت فعلتك } وإنما هو إخبار مبتدأ كان من الكافرين وهذا الثاني أيضاً يحتمل أن يريد به كفر النعمة .
قال القاضي أبو محمد : وكان بين خروج موسى عليه السلام حين قتل القبطي وبين رجوعه نبياً إلى فرعون إحدى عشر سنة غير أشهر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.