والفاء فى قوله { فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً } للتفريع على ما تقدم من كون جهنم كانت مرصادا ، للطاغين مآبا . .
أى : إن جهنم كانت معدة ومهيأة لهؤلاء الطغاة بسبب أعمالهم القبيحة ، وسيقال لهم يوم القيامة على سبيل الإِذلال والإِهانة ، ذوقوا سوء عاقبة كفركم وفسوقكم وعصيانكم ، فلن نزيدكم إلا عذابا فوق العذاب الذى أنتم فيه .
قال ابن كثير : قال قتادة ، عن أبى أيوب الأزدى ، عن عبد الله بن عمرو قال : لم ينزل فى شأن أهل النار آية أشد من هذه الآية { فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً } قال : فهم فى مزيد من العذاب أبدا . .
وقوله : { فَذُوقُوا فَلَنْ نزيدَكُمْ إِلا عَذَابًا } أي : يقال لأهل النار : ذوقوا ما أنتم فيه ، فلن نزيدكم إلا عذابًا من جنسهِ ، { وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } [ ص : 58 ] .
قال قتادة : عن أبي أيوب الأزدي ، عن عبد الله بن عمرو قال : لم ينزل على أهل النار آية أشد من هذه : { فَذُوقُوا فَلَنْ نزيدَكُمْ إِلا عَذَابًا } قال : فهم في مزيد من العذاب أبدا .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن محمد بن مصعب الصوري ، حدثنا خالد بن عبد الرحمن ، حدثنا جَسر{[29666]} بن فَرقد ، عن الحسن قال : سألت أبا برزة الأسلمي عن أشد آية في كتاب الله على أهل النار . قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ : { فَذُوقُوا فَلَنْ نزيدَكُمْ إِلا عَذَابًا } فقال : " هلك القوم بمعاصيهم الله عَزّ وجل " {[29667]} .
جسرُ{[29668]} بن فَرقد : ضعيف الحديث بالكلية .
وقوله : فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إلاّ عَذَابا يقول جلّ ثناؤه : يقال هؤلاء الكفار في جهنم إذا شربوا الحميم والغَسّاق : ذوقوا أيها القوم من عذاب الله الذي كنتم به في الدنيا تكذّبون ، فلن نزيدكم إلاّ عذابا على العذاب الذي أنتم فيه لا تخفيفا منه ، ولا ترفّها . وقد :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن أبي أيوب الأزديّ ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : لم تنزل على أهل النار آية أشدّ من هذه : فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إلاّ عَذَابا قال : فهم في مزيد من العذاب أبدا .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة فَذُوقُوا فلَنْ نَزِيدَكُمْ إلاّ عَذَابا : ذُكر لنا أن عبد الله بن عمرو كان يقول : ما نزلت على أهل النار آية أشدّ منها فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُم إلاّ عَذابا فهم في مزيد من الله أبدا .
وكان عبد الله بن عمر{[11590]} رضي الله عنهما يقول : ما نزلت في أهل النار آية أشد من قوله تعالى : { فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا } ، رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم{[11591]} .
الفاء للتفريع والتسبب على جملة { إن جهنم كانت مرصاداً } [ النبأ : 21 ] وما اتصل بها ، ولمَّا غُيّر أسلوب الخبر إلى الخطاب بعد أن كان جارياً بطريق الغيبة ، ولم يكن مضمونُ الخبر مما يجري في الدنيا فيُظن أنه خطاب تهديد للمشركين تعيّن أن يكون المفرع قولاً محذوفاً دلّ عليه { ذوقوا } الذي لا يقال إلا يوم الجزاء ، فالتقدير : فيقال لهم ذوقوا إلى آخره ، ولهذا فليس في ضمير الخطاب التفات فالمفرع بالفاء هو فعل القول المحذوف .
والأمر في « ذوقوا » مستعمل في التوبيخ والتقريع .
وفُرع على { فذوقوا } ما يزيد تنكيدهم وتحسيرهم بإعلامهم بأن الله سيزيدهم عذاباً فوق ما هم فيه .
والزيادة : ضمّ شيء إلى غيره من جنس واحد أو غرض واحد ، قال تعالى : { فزادتهم رجساً إلى رجسهم } [ التوبة : 125 ] وقال : { ولا تزد الظالمين إلا تباراً } [ نوح : 28 ] ، أي لا تزدهم على ما هم فيه من المساوي إلا الإِهلاك .
فالزيادة المنفية في قوله : { فلن نزيدكم إلا عذاباً } يجوز أن تكون زيادة نوع آخر من عذاب يكون حاصلاً لهم كما في قوله تعالى : { زدناهم عذاباً فوق العذاب } [ النحل : 88 ] .
ويجوز أن تكون زيادة من نوع ما هم فيه من العذاب بتكريره في المستقبل .
والمعنى : فسنزيدكم عذاباً زيادة مستمرة في أزمنة المستقبل ، فصيغ التعبير عن هذا المعنى بهذا التركيب الدقيق ، إذ ابتدىء بنفي الزيادة بحرف تأبيد النفي وأردف الاستثناء المقتضي ثبوت نقيض حكم المستثنى منه للمستثنى فصارت دلالة الاستثناء على معنى : سنزيدكم عذاباً مؤبداً . وهذا من تأكيد الشيء بما يشبه ضده وهو أسلوب طريف من التأكيد إذ ليس فيه إعادة لفظ فإن زيادة العذاب تأكيد للعذاب الحاصل .
ولما كان المقصود الوعيد بزيادة العذاب في المستقبل جيء في أسلوب نفيه بحرف نفي المستقبل ، وهو ( لن ) المفيد تأكيد النسبة المنفيةِ وهي ما دلّ عليه مجموع النفي والاستثناء ، فإن قيد تأبيد نفي الزيادة الذي يفيده حرف ( لن ) في جانب المستثنى منه يسري إلى إثبات زيادة العذاب في جانب المستثنى ، فيكون معنى جملة الاستثناء : سنزيدكم عذاباً أبداً ، وهو معنى الخلود في العذاب . وفي هذا الأسلوب ابتداءٌ مطمِعٌ بانتهاء مُؤْيِسسٍ وذلك أشد حزناً وغماً بما يوهمهم أن ما ألقوا فيه هو منتهى التعذيب حتى إذا ولج ذلك أسماعَهم فحزنوا له ، أُتبع بأنهم ينتظرهم عذاب آخر أشدّ ، فكان ذلك حزناً فوق حزن ، فهذا منوال هذا النظم وهو مؤذن بشدة الغضب .
وعن عبد الله بن عَمرو بن العاص وأبي برزة الأسلمي وأبي هريرة : أن هذه الآية أشدّ ما نزل في أهل النار ، وقد أسند هذا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عن أبي بَرزة الأسلمي . قال : " سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أشدّ آية في كتاب الله على أهل النار ؟ فقال : قول الله تعالى : { فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً } " وفي سنده جَسْر بن فرقد وهو ضعيف جداً .
وفي « ابن عطية » : أن أبا هريرة رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر ابن عطية سنده ، وتعدد طُرقه يكسبه قوة .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقال لهؤلاء الكفار في جهنم إذا شربوا الحميم والغَسّاق: ذوقوا أيها القوم من عذاب الله الذي كنتم به في الدنيا تكذّبون، فلن نزيدكم إلاّ عذابا على العذاب الذي أنتم فيه، لا تخفيفا منه، ولا ترفّها.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
لأن كل عذاب يأتي بعد الوقت الأول فهو زائد عليه...
{فذوقوا} والفاء للجزاء، فنبه على أن الأمر بالذوق معلل بما تقدم شرحه من قبائح أفعالهم، فهذا الفاء أفاد عين فائدة قوله: {جزاء وفاقا}. المسألة الرابعة: هذه الآية دالة على المبالغة في التعذيب من وجوه:
(أحدها): قوله: {فلن نزيدكم} وكلمة لن للتأكيد في النفي.
(وثانيها) أنه في قوله: {كانوا لا يرجون حسابا} ذكرهم بالمغايبة وفي قوله: {فذوقوا} ذكرهم على سبيل المشافهة وهذا يدل على كمال الغضب.
(وثالثها): أنه تعالى عدد وجوه العقاب، ثم حكم بأنه جزاء موافق لأعمالهم، ثم عدد فضائحهم، ثم قال: {فذوقوا} فكأنه تعالى أفتى وأقام الدلائل، ثم أعاد تلك الفتوى بعينها، وذلك يدل على المبالغة في التعذيب...
السؤال الأول: أليس أنه تعالى قال في صفة الكفار: {ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم} فهنا لما قال لهم: {فذوقوا} فقد كلمهم؟
(الجواب): قال أكثر المفسرين: تقدير الآية فيقال لهم: فذوقوا، ولقائل أن يقول على هذا الوجه لا يليق بذلك القائل أن يقول: {فلن نزيدكم إلا عذابا} بل هذا الكلام لا يليق إلا بالله، والأقرب في الجواب أن يقال قوله: {ولا يكلمهم} أي ولا يكلمهم بالكلام الطيب النافع، فإن تخصيص العموم غير بعيد لاسيما عند حصول القرينة، فإن قوله: {ولا يكلمهم} إنما ذكره لبيان أنه تعالى لا ينفعهم ولا يقيم لهم وزنا، وذلك لا يحصل إلا من الكلام الطيب...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
...الأمر في « ذوقوا» مستعمل في التوبيخ والتقريع.
وفُرع على {فذوقوا} ما يزيد تنكيدهم وتحسيرهم بإعلامهم بأن الله سيزيدهم عذاباً فوق ما هم فيه.
والزيادة: ضمّ شيء إلى غيره من جنس واحد أو غرض واحد، قال تعالى: {فزادتهم رجساً إلى رجسهم} [التوبة: 125] وقال: {ولا تزد الظالمين إلا تباراً} [نوح: 28]، أي لا تزدهم على ما هم فيه من المساوي إلا الإِهلاك.
فالزيادة المنفية في قوله: {فلن نزيدكم إلا عذاباً} يجوز أن تكون زيادة نوع آخر من عذاب يكون حاصلاً لهم كما في قوله تعالى: {زدناهم عذاباً فوق العذاب} [النحل: 88].
ويجوز أن تكون زيادة من نوع ما هم فيه من العذاب بتكريره في المستقبل.
والمعنى: فسنزيدكم عذاباً زيادة مستمرة في أزمنة المستقبل، فصيغ التعبير عن هذا المعنى بهذا التركيب الدقيق، إذ ابتدئ بنفي الزيادة بحرف تأبيد النفي وأردف الاستثناء المقتضي ثبوت نقيض حكم المستثنى منه للمستثنى فصارت دلالة الاستثناء على معنى: سنزيدكم عذاباً مؤبداً. وهذا من تأكيد الشيء بما يشبه ضده وهو أسلوب طريف من التأكيد إذ ليس فيه إعادة لفظ فإن زيادة العذاب تأكيد للعذاب الحاصل.
ولما كان المقصود الوعيد بزيادة العذاب في المستقبل جيء في أسلوب نفيه بحرف نفي المستقبل، وهو (لن) المفيد تأكيد النسبة المنفيةِ وهي ما دلّ عليه مجموع النفي والاستثناء، فإن قيد تأبيد نفي الزيادة الذي يفيده حرف (لن) في جانب المستثنى منه يسري إلى إثبات زيادة العذاب في جانب المستثنى، فيكون معنى جملة الاستثناء: سنزيدكم عذاباً أبداً، وهو معنى الخلود في العذاب. وفي هذا الأسلوب ابتداءٌ مطمِعٌ بانتهاء مُؤْيِس وذلك أشد حزناً وغماً بما يوهمهم أن ما ألقوا فيه هو منتهى التعذيب حتى إذا ولج ذلك أسماعَهم فحزنوا له، أُتبع بأنهم ينتظرهم عذاب آخر أشدّ، فكان ذلك حزناً فوق حزن، فهذا منوال هذا النظم وهو مؤذن بشدة الغضب.