اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمۡ إِلَّا عَذَابًا} (30)

قوله تعالى : { فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً }

قال ابن الخطيب{[59159]} : هذه «الفاء » للجزاء ، فنبَّه على أنَّ الأمر بالذوق معلَّل بما تقدم شرحه من قبائح أفعالهم ، فهذه «الفاء » أفادت عين فائدة قوله : «جزاء وفاقاً » .

فإن قيل : أليْسَ أنه - تعالى - قال في صفة الكفار : { وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ الله } [ البقرة : 174 ] .

فها هنا لمَّا قال تعالى لهم : «فذوقوا » ، فقد كلَّمهُمْ ؟ .

فالجواب : قال أكثر المفسرين : ويقال لهم : «فَذُوقُوا » .

ولقائلٍ أن يقول : قوله : { فَلَن نَّزِيدَكُمْ } لا يليق إلا بالله ، والأقرب في الجواب أن يقال : قوله : { وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ } [ آل عمران : 77 ] معناه : ولا يكلمهم بالكلام الطيب النافع ، فإن تخصيص العموم سائغ عند حصول القرينة ، فإن قوله : { وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ } [ آل عمران : 77 ] إنما ذكره لبيان أنَّه - تعالى - لا يقيم لهم وزناً ، وذلك لا يحصل إلا من الكلام الطيب .

فإن قيل : إن كانت هذه الزيادة غير مستحقة كانت ظلماً ، وإن كانت مستحقة كان تركها في أول الأمر إحساناً ، والكريم لا يليق به الرجوع في إحسانه .

والجواب : أنَّها مستحقةٌ ، ودوامها زيادة لفعله بحسب الدوام ، وأيضاً : فترك المستحق في بعض الأوقات لا يوجب الإبراء والإسقاط .

فصل في الالتفات في هذه الآية

قال ابنُ الخطيبِ{[59160]} : قوله تعالى : { فَذُوقُواْ } يفيد معنى التعليل ، وهو التفات من الغيبةِ للخطابِ ، فهو دالٌّ على الغضبِ ، وفيه مبالغاتٌ : منها أنَّ «لن » للتأكيد ، ومنها الالتفات ، ومنها إعادة قوله : «فذوقوا » بعد ذكر العذاب ، قال أبو بزرة رضي الله عنه : سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أشد آية في القرآن ، قال عليه الصلاة والسلام : قوله : { فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً }{[59161]} [ النبأ : 30 ] أي : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا } [ النساء : 56 ] ، و{ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً } [ الإسراء : 97 ] .


[59159]:ينظر الفخر الرازي 31/18.
[59160]:السابق.
[59161]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/504)، عن أبي برزة موقوفا وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه.