{ ذَلِكَ } الذي أنشأ الآدمي من ما وصف لكم ، وأحيا الأرض بعد موتها ، { بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ } أي : الرب المعبود ، الذي لا تنبغي العبادة إلا له ، وعبادته هي الحق ، وعبادة غيره باطلة ، { وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى } كما ابتدأ الخلق ، وكما أحيا الأرض بعد موتها ، { وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } كما أشهدكم من بديع قدرته وعظيم صنعته ما أشهدكم .
ثم بين - سبحانه - بعد ذلك ما يدل على وحدانيته وقدرته فقال : { ذلك بِأَنَّ الله هُوَ الحق وَأَنَّهُ يُحْيِي الموتى وَأَنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .
واسم الإشارة يعود إلى المذكور من خلق الإنسان وإحياء الأرض بعد موتها . . .
أى : ذلك الذى ذكرناه لكم دليل واضح ، وبرهان قاطع ، على أن الله - تعالى - هو الإله الحق ، الذى يجب أن تخلصوا له العبادة والطاعة ، لأنه هو وحده الخالق لكل شىء ، ولأنه هو وحده الذى يعيد الموتى إلى الحياة ، ولأنه هو وحده الذى لا يعجزه شىء .
وخص - سبحانه - إحياء الموتى بالذكر ، مع أن من جملة الأشياء المقدور عليها . للتصريح بما هو محل النزاع وهو البعث ، ولدحض شبه المنكرين له .
( ذلك بأن الله هو الحق ، وأنه يحيي الموتى ، وأنه على كل شيء قدير وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ) . .
ذلك . . أي إنشاء الإنسان من التراب وتطور الجنين في مراحل تكونه ، وتطور الطفل في مراحل حياته ، وانبعاث الحياة من الأرض بعد الهمود . ذلك متعلق بأن الله هو الحق . فهو من السنن المطردة التي تنشأ من أن خالقها هو الحق الذي لا تختل سنته ولا تتخلف . وأن اتجاه الحياة هذا الاتجاه في هذه الأطوار ليدل على الإرادة التي تدفعها وتنسق خطاها وترتب مراحلها . فهناك ارتباط وثيق بين أن الله هو الحق ، وبين هذا الاطراد والثبات والاتجاه الذي لا يحيد . ( وإنه يحيي الموتى )فإحياء الموتى هو إعادة للحياة .
وقوله : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ } أي : الخالق المدبر الفعال لما يشاء ، { وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى } [ أي : كما أحيا الأرض الميتة وأنبت منها هذه الأنواع ؛ { إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى } ] {[20031]} ، { إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ فصلت : 39 ] ف { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ يس : 82 ] .
فذلكة لما تقدم ، فالجملة تذييل .
والإشارة ب { ذلك } إلى ما تقدم من أطوار خلق الإنسان وفنائه ، ومن إحياء الأرض بعد موتها وانبثاق النبت منها .
وإفراد حرف الخطاب المقترن باسم الإشارة لإرادة مخاطب غير معيّن على نسق قوله { وترى الأرض هامدة } [ الحج : 5 ] على أن اتصال اسم الإشارة بكاف خطاب الواحد هو الأصل .
والمجرور خبر عن اسم الإشارة ، أي ذلك حصل بسبب أن الله هو الحق الخ . . . والباء للسببية فالمعنى : تَكوّن ذلك الخلق من تراب وتطَور ، وتكوّن إنزال الماء على الأرض الهامدة والنبات البهيج بسبب أنّ الله هو الإله الحق دون غيره . ويجوز أن تكون الباء للملابسة ، أي كان ذلك الخلق وذلك الإنبات البهيج ملابساً لحقيّة إلهيّة الله . وهذه الملابسة ملابسة الدليل لمدلوله ، وهذا أرشق من حمل الباء على معنى السببية وهو أجمع لوجوه الاستدلال .
والحق : الثابت الذي لا مراء فيه ، أي هو الموجود . والقصر إضافي ، أي دون غيره من معبوداتكم فإنها لا وجود لها ، قال تعالى : { إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان } [ الحج : 23 ] وهذا الاستدلال هو أصل بقية الأدلة لأنه نقضٌ للشرك الذي هو الأصل لجميع ضلالات أهله كما قال تعالى : { إنما النسيء زيادة في الكفر } [ التوبة : 37 ] .
وأما بقية الأمور المذكورة بعد قوله { ذلك بأن الله هو الحق } ، فهي لبيان إمكان البعث .
ووجه كون هذه الأمور الخمسة المعدودة في هذه الآية ملابسة لأحوال خلق الإنسان وأحوال إحياء الأرض أن تلك الأحوال دالة على هذه الأمور الخمسة : إما بدلالة المسبب على السبب بالنسبة إلى وجود الله وإلى ثبوت قدرته على كل شيء ، وإما بدلالة التمثيل على الممثَّل والواقععِ على إمكان نظيره الذي لم يقع بالنسبة إلى إحياء الله الموتى ، ومجيء الساعة ، والبعثثِ . وإذا تبين إمكان ذلك حق التصديق بوقوعه لأنهم لم يكن بينهم وبين التصديق به حائل إلا ظنهم استحالته ، فالذي قدر على خلق الإنسان عن عدم سابق قادر على إعادته بعد اضمحلاله الطارىء على وجوده الأحْرَى ، بطريقة .
والذي خلق الأحياء بعد أن لم تكن فيها حياةٌ يمكنه فعل الحياة فيها أو في بقيّة آثارها أو خلق أجسام مماثلة لها وإيداع أرواحها فيها بالأولى . وإذا كان كذلك علم أن ساعة فناء هذا العالم واقعة قياساً على انعدام المخلوقات بعد تكوينها ، وعُلم أن الله يعيدها قياساً على إيجاد النسل وانعدام أصله الحاصل للمشركين في وقوع الساعة منزّل منزلة العدم لانتفاء استناده إلى دليل .
وصيغة نفي الجنس على سبيل التنصيص صيغة تأكيد ، لأن ( لاَ ) النافية للجنس في مقام النفي بمنزلة ( إنّ ) في مقام الإثبات ولذلك حملت عليها في العمل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.