{ 28 - 30 } { وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ * فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ }
أي : يستعجل المجرمون بالعذاب ، الذي وعدوا به على التكذيب ، جهلاً منهم ومعاندة .
{ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ } الذي يفتح بيننا وبينكم ، بتعذيبنا على زعمكم { إِنْ كُنْتُمْ } أيها الرسل { صَادِقِينَ } في دعواكم .
ثم حكى - سبحانه - ما كان عليه المشركون ، من غرور واستخفاف بالوعيد فقال : { وَيَقُولُونَ متى هذا الفتح إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } .
والمراد بالفتح : الحكم والقضاء والفصل فى الخصومة بين المتخاصمين ، ومنه قوله - تعالى - حكاية عن شعيب - عليه السلام - : { رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق وَأَنتَ خَيْرُ الفاتحين } أى : " احكم بيننا وبين قومنا بالحق ، وأنت خير الحاكمين " .
أى : ويقول المشركون للنبى صلى الله عليه وسلم ولأصحابه على سبيل الاستهزاء ، واستعجال العقاب : متى هذا الذى تحدثوننا عنه من أن الله - تعالى - سيفصل بيننا وبينكم ، ويجعل لكم النصر ولنا الهزيمة ؟
لقد طال انتظارنا لهذا اليوم الذى يتم فيه الحكم بيننا وبينكم ، فإن كنتم صادقين فى قولكم ، فادعوا ربكم أن يعجل بهذا اليوم .
وفي النهاية يجيء المقطع الأخير في السورة بعد هذا المطاف الطويل . فيحكي استعجالهم بالعذاب الذي يوعدون ؛ وشكهم في صدق الإنذار والتحذير . ويرد عليهم مخوفا محذرا من تحقيق ما يستعجلون به ، يوم لا ينفعهم إيمان ، ولا يمهلون لإصلاح ما فات . ويختم السورة بتوجيه الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] إلى الإعراض عنهم ، وتركهم لمصيرهم المحتوم :
( ويقولون : متى هذا الفتح إن كنتم صادقين . قل : يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون . فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون ) . .
والفتح هو الفصل فيما بين الفريقين من خلاف ؛ وتحقق الوعيد الذي كان يخدعهم أنه لا يجيئهم من قريب ؛ وهم غافلون عن حكمة الله في تأخيره إلى أجله الذي قدره ، والذي لا يقدمه استعجالهم ولا يؤخره . وما هم بقادرين على دفعه ولا الإفلات منه .
يقول تعالى مخبرًا عن استعجال الكفار وقوعَ بأس الله بهم ، وحلول غضبه ونقمته عليهم ، استبعادًا وتكذيبًا وعنادا : { وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ } ؟ أي : متى تنصر علينا يا محمد ؟ كما تزعم أن لك وقتًا تُدَال علينا ، ويُنْتَقم لك منا ، فمتى يكون هذا ؟ ما نراك أنت وأصحابك إلا مختفين خائفين ذليلين !
قال الله تعالى : { قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ } أي : إذا حَلَّ بكم بأس الله وسَخَطه وغضبه في الدنيا وفي الأخرى ، { لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ } ، كما قال تعالى : { فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ . فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ . فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ } [ غافر : 83 - 85 ] ، ومَنْ زعم أن المراد من هذا الفتح فتحُ مكة فقد أبعد النَّجْعة ، وأخطأ فأفحش ، فإن يوم الفتح قد قَبِل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إسلام الطلقاء ، وقد كانوا قريبًا من ألفين ، ولو كان المراد فتح مكة لما قبل إسلامهم ؛ لقوله : { قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ } ، وإنما المراد الفتح الذي هو القضاء والفصل ، كقوله تعالى : { فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 118 ] ، وكقوله : { قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ } [ سبأ : 26 ] ، وقال تعالى : { وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } [ إبراهيم : 15 ] ، وقال : { وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا } [ البقرة : 89 ] ، وقال : { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ } [ الأنفال : 19 ] .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ويقولون متى هذا الفتح} يعني القضاء وهو البعث.
{إن كنتم صادقين} وذلك أن المؤمنين قالوا: إن لنا يوما نتنعم فيه ونستريح، فقال كفار مكة: متى هذا الفتح إن كنتم صادقين؟... تكذيبا بالبعث بأنه ليس بكائن، فإن كان البعث حقا صدقنا يومئذ.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره:"وَيَقُولُونَ" هؤلاء المشركون بالله يا محمد لك،
"مَتى هَذَا الْفَتْحُ". واختلف في معنى ذلك؛
فقال بعضهم: معناه: متى يجيء هذا الحكم بيننا وبينكم، ومتى يكون هذا الثواب والعقاب...
وقال آخرون: بل عنى بذلك: فتح مكة.
والصواب من القول في ذلك قول من قال: معناه: ويقولون متى يجيء هذا الحكم بيننا وبينكم، يعنون العذاب، يدلّ على أن ذلك معناه قوله: "قُلْ يَوْمَ الفَتْحِ لا يَنْفَعُ الّذِينَ كَفَرُوا إيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ"، ولا شكّ أن الكفار قد كان جعل الله لهم التوبة قبل فتح مكة وبعده، ولو كان معنى قوله: "مَتى هَذَا الفَتْحُ "على ما قاله من قال: يعني به فتح مكة، لكان لا توبة لمن أسلم من المشركين بعد فتح مكة، ولا شكّ أن الله قد تاب على بشر كثير من المشركين بعد فتح مكة، ونفعهم بالإيمان به وبرسوله، فمعلوم بذلك صحة ما قلنا من التأويل، وفساد ما خالفه. وقوله: "إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" يعني: إن كنتم صادقين في الذي تقولون من أنا معاقبون على تكذيبنا محمدا صلى الله عليه وسلم، وعبادتنا الآلهة والأوثان.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
مستعجلين لما وعد الله تعالى من الفصل بينهم في قوله "إن ربك هو يفصل بينهم".
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
استبعدوا يومَ التلاقي وجحدوه، فأخبرهم أنه ليس لهم إلا الحسرة والمحنة إذا شهدوه.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
الفتح: النصر، أو الفصل بالحكومة، من قوله: {رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا} [الأعراف: 89] وكان المسلمون يقولون إنّ الله سيفتح لنا على المشركين. ويفتح بيننا وبينهم، فإذا سمع المشركون قالوا: {متى هذا الفتح} أي في أيّ وقت يكون {إِن كُنتُمْ صادقين} في أنه كائن.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وفي النهاية يجيء المقطع الأخير في السورة بعد هذا المطاف الطويل. فيحكي استعجالهم بالعذاب الذي يوعدون؛ وشكهم في صدق الإنذار والتحذير. ويرد عليهم مخوفا محذرا من تحقيق ما يستعجلون به، يوم لا ينفعهم إيمان، ولا يمهلون لإصلاح ما فات. ويختم السورة بتوجيه الرسول [صلى الله عليه وسلم] إلى الإعراض عنهم، وتركهم لمصيرهم المحتوم:
(ويقولون: متى هذا الفتح إن كنتم صادقين. قل: يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون. فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون)..
والفتح هو الفصل فيما بين الفريقين من خلاف؛ وتحقق الوعيد الذي كان يخدعهم أنه لا يجيئهم من قريب؛ وهم غافلون عن حكمة الله في تأخيره إلى أجله الذي قدره، والذي لا يقدمه استعجالهم ولا يؤخره. وما هم بقادرين على دفعه ولا الإفلات منه.
والاستفهام هنا "مَتَى هَذَا الْفَتْحُ".. ليس استفهاما على حقيقته، إنما يراد به الاستهزاء والسخرية، وجواب الله على هذا الاستفهام يحدد نيتهم منه، فهم يستبعدون هذا النصر وهذه الغلبة التي وعد الله بها عباده المؤمنين، لكنهم يستبعدون قريبا، ويستعجلون أمرا آتيا لا ريب فيه.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ولمّا كانت الآيات السابقة تهدّد المجرمين بالانتقام، وتبشّر المؤمنين بالإمامة والنصر، فإنّ الكفّار يطرحون هذا السؤال غروراً واستكبارا وتعلّلا بأنّ هذه التهديدات متى ستتحقّق؟