{ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ } وهو الصوف المنفوش ، ثم تكون بعد ذاك هباء منثورا فتضمحل ، فإذا كان هذا القلق والانزعاج لهذه الأجرام الكبيرة الشديدة ، فما ظنك بالعبد الضعيف الذي قد أثقل ظهره بالذنوب والأوزار ؟
أليس حقيقا أن ينخلع قلبه وينزعج لبه ، ويذهل عن كل أحد ؟ ولهذا قال : { وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا يُبَصَّرُونَهُمْ }
{ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ } أى : كالصوف المصبوغ ألوانا ، لاختلاف ألوان الجبال ، فإن الجبال إذا فتتت وتمزقت فى الجو ، أشبهت الصوف المنفوش إذا طيرته الرياح ، قيل : أول ما تتغير الجبال تصير رملا مهيلا ، ثم عهنا منفوشا ، ثم هباء منبثا .
ووجه الشبه أن السماء فى هذا اليوم تكون فى انحلال أجزائها ، كالشىء الباقى فى قعر الإِناء من الزيت ، وتكون الجبال فى تفرق أجزائها كالصوف المصبوغ الذى تطاير فى الجو .
( يوم تكون السماء كالمهل ، وتكون الجبال كالعهن ) . .
والمهل ذوب المعادن الكدر كدردي الزيت . والعهن هو الصوف المنتفش . والقرآن يقرر في مواضع مختلفة أن أحداثا كونية كبرى ستقع في هذا اليوم ، تغير أوضاع الأجرام الكونية وصفاتها ونسبها وروابطها . ومن هذه الأحداث أن تكون السماء كالمعادن المذابة . وهذه النصوص جديرة بأن يتأملها المشتغلون بالعلوم الطبيعية والفلكية . فمن المرجح عندهم أن الأجرام السماوية مؤلفة من معادن منصهرة إلى الدرجة الغازية - وهي بعد درجة الانصهار والسيولة بمراحل - فلعلها في يوم القيامة ستنطفئ كما قال : ( وإذا النجوم انكدرت )وستبرد حتى تصير معادن سائلة ! وبهذا تتغير طبيعتها الحالية وهي الطبيعة الغازية !
على أية حال هذا مجرد احتمال ينفع الباحثين في هذه العلوم أن يتدبروه . أما نحن فنقف أمام هذا النص نتملى ذلك المشهد المرهوب ، الذي تكون فيه السماء كذوب المعادن الكدر ، وتكون فيه الجبال كالصوف الواهن المنتفش . ونتملى ما وراء هذا المشهد من الهول المذهل الذي ينطبع في النفوس ، فيعبر عنه القرآن أعمق تعبير :
وقوله : وَتَكُونُ الجِبالُ كالْعِهنِ يقول : وتكون الجبال كالصوف . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد كالْعِهْنِ قال : كالصوف .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : كالْعِهْنِ قال : كالصوف .
و «العهن » : الصوف دون تقييد . وقد قال بعض اللغويين : هو الصوف المصبوغ ألواناً ، وقيل المصبوغ أي لون كان ، وقال الحسن : هو الأحمر ، واستدل من قال إنه المصبوغ ألواناً بقول زهير : [ الطويل ]
كأن فتات العهن في كل منزل*** نزلن به حب الفنا لم يحطم{[11319]}
وحب الفنا هو عنب الثعلب ، وكذلك هو عند طيبه ، وقبل تحطمه ألوان بعضه أخضر ، وبعضه أصفر ، وبعضه أحمر ، لاختلافه في النضج ، وتشبه { الجبال } به على هذا القول لأنها جدد بيض وحمر وسود فيجيء التشبيه من وجهين في الألوان وفي الانتفاش . ومن قال إن العهن : الصوف دون تقييد ، وجعل التشبيه في الانتفاش وتخلخل الأجزاء فقط . قال الحسن : والجبال يوم القيامة تسير بالرياح ثم يشتد الأمر فتنهد ثم يشتد الأمر بها فتصير هباء منبثاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.