الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَتَكُونُ ٱلۡجِبَالُ كَٱلۡعِهۡنِ} (9)

قوله : { يَوْمَ تَكُونُ } : فيه أوجهٌ ، أحدُها : أَنَّه متعلِّقٌ ب " قريباً " ، وهذا إذا كان الضميرُ في " نراه " للعذاب ظاهرٌ . الثاني : أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ يَدُلُّ عليه " واقع " ، أي : يقعُ يومَ يكونُ . الثالث : [ أن يتعلَّقَ ] بمحذوفٍ مقدَّرٍ بعده ، أي : يومَ يكونُ كان كيتَ وكيتَ . الرابع : أنه بدلٌ من الضميرِ في " نَراه " إذا كان عائداً على يومِ القيامة . الخامس : أنه بدلٌ مِنْ " في يومٍ " فيمَنْ عَلَّق ب " واقع " . قاله الزمخشريُّ . وإنما قال فيمَنْ عَلَّقَهُ ب " واقع " لأنه إذا عُلِّق ب " تَعْرُج " كما تقدَّم في أحدِ الوجَهْين استحال أَنْ يُبْدَلَ عنه هذا ؛ لأنَّ عُروجَ الملائكةِ ليس هو في هذا اليومِ الذي تكونُ السماءُ فيه كالمُهْلِ والجِبالُ كالعِهْنِ ، ويَشْتَغِلُ كلُّ حميمٍ عن حميمِه . قال الشيخ : " ولا يجوزُ هذا " يعني إبداله مِنْ " في يوم " . قال : " لأنَّ في يوم " وإنْ كان في موضعِ نصبٍ لا يُبْدَلُ منه منصوبٌ ؛ لأنَّ مثلَ هذا ليس بزائدٍ ولا محكومٍ له بحكمِ الزائدِ ك " رُبَّ " ، وإنما يجوزُ مراعاةُ الموضعِ في حرفِ الجرِّ الزائدِ كقولِه :

أبَني لُبَيْنَى لَسْتُما بِيَدٍ *** إلاَّ يَداً ليسَتْ لها عَضُدُ

وكذلك لا يجوزُ " مَرَرْتُ بزيدٍ الخياطَ " على موضع " بزيدٍ " ولا " مَرَرْتُ بزيدٍ وعمراً " ولا " غَضِبْتُ على زيد وجعفراً " ولا " مَرَرْتُ بعمروٍ أخاك " على مراعاةِ الموضع " . قلت : قد تقدَّم أنَّ قراءةَ { وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ } [ المائدة : 4 ] من هذا البابِ فيمَنْ نصبَ الأرجل فيكُنْ هذا مثلَه ، وقد تقدَّم فلا نُعيده .

ثم قال الشيخ : " فإنْ قلتَ : الحركةُ في " يومَ تكون " حركةُ بناءٍ لا حركةُ إعرابٍ فهو مجرورٌ مثلُ " في يومٍ " قلت : لا يجوزُ بِناؤُه على مذهبِ البَصْريين ؛ لأنه أُضيفَ إلى مُعْرَبٍ ، لكنه يجوزُ على مذهب الكوفيين ، فيتمشَّى كلامُ الزمخشريِّ على مذهبِهم إنْ كان استَحْضَره وقَصَده " . انتهى . قولُه : " إنْ كان اسْتَحْضره " فيه تحامُلٌ على الرجلِ . وأيُّ كبيرِ أَمرٍ في هذا حتى لا يَسْتَحْضِرَ مثلَ هذا ؟ والتبجُّحُ بمثلِ هذا لا يليق ببعضِ الطلبةِ ، فإنها من الخلافِيَّاتِ المشهورة شُهْرَةَ :قِفا نَبْكِ . . . . . . . . . . . . . *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وتقدَّم الكلامُ على المُهْل في الدخان . وأمَّا العِهْنُ فقيل : الصوفُ مطلقاً . وقيل : بقَيْدِ كونِه أحمر . وقيل : بِقَيْدِ كونِه مَصْبوغاً . وقيل : بقَيْدِ كونِه مَصْبوغاً ألواناً ، وهذا أَلْيَقُ بالتشبيه ؛ لأنَّ الجبالَ متلوِّنةٌ ، كما قال تعالى :

{ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ } [ فاطر : 27 ] .