4 - إذا زُلزلت الأرض واهتزت اهتزازاً شديداً ، وفتتت الجبال تفتيتاً دقيقاً ، فصارت غباراً متطايراً{[217]} .
وقوله : وَبُسّتِ الجِبالُ بَسّا يقول تعالى ذكره : فتتت الجبال فتا ، فصارت كالدقيق المبسوس ، وهو المبلول ، كما قال جلّ ثناؤه : وكانَتِ الجِبالُ كَثِيبا مَهِيلاً والبسيسة عند العرب : الدقيق والسويق تُلَتّ وتُتَخَذُوا زادا .
وذُكر عن لصّ من غَطَفان أنه أراد أن يخبز ، فخاف أن يعجل عن الخبز قبل الدقيق وأكله عجينا ، وقال :
لا تَخْبِزَا خَبْزا وبُسّا بَسّا *** مَلْسا بِذَوْدِ الحَلَسِيّ مَلْسا
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : وَبُسّت الجِبالُ بَسّا يقول : فتتت فتا .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَبُسّتِ الجِبالُ بَسّا قال : فتتت .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : وَبُسّتِ الجِبالُ بَسّا قال : كما يبس السويق .
حدثني أحمد بن عمرو البصريّ ، قال : حدثنا حفص بن عمر العدني ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة وَبُسّتِ الجِبالُ بَسّا قال : فُتّتْ فتا .
حدثني إسماعيل بن موسى بن بنت السديّ ، قال : أخبرنا بشر بن الحكم الأحمسيّ ، عن سعيد بن الصلت ، عن إسماعيل السديّ وأبي صالح وَبُسّتِ الجِبالُ بَسّا قال : فُتتت فتا .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد وَبُسّتِ الجِبالِ بَسّا قال : كما يبس السويق .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : وَبُسّتِ الجِبالُ بَسّا قال : صارت كثيبا مهيلاً كما قال الله .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : وَبُسّتِ الجِبالُ بَسّا قال : فُتتت فتا .
واختلف اللغويون في معنى : { بست } فقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة معناه : فتتت ، كما تبس البسيسة وهي السويق ، ويقال بسست الدقيق إذا ثريته بالماء وبقي مفتتاً ، وأنشد الطبري في هذا : [ الرجز ]
لا تخبزا خبزاً وبسّا بسّا . . . {[10876]}
وقال هذا قول لص أعجله الخوف عن العجين ، فقال لصاحبه هذا .
وقال بعض اللغويين : { بست } معناه سيرت قالوا والخبز سير الشديد وضرب الأرض بالأيدي ، والبس : السير الرفيق ، وأنشد البيت : [ الرجز ]
لا تخبزا خبزاً وبسّا بسّا . . . وجنباها نهشلاً وعبسا
ولا تطيلا بمناخ حبسا . . . ذكر هذا أبو عثمان اللغوي في كتابه في الأفعال .
والبَسُّ يطلق بمعنى التفتت وهو تفرّق الأجزاء المجموعة ، ومنه البسيسة من أسماء السويق أي فتِّتَتْ الجبال ونسفت فيكون كقوله تعالى : { ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً فيذَرها قاعاً صفصفاً } [ طه : 105 ، 106 ] .
ويطلق البسّ أيضاً على السّوق للماشية ، يقال : بَسّ الغنم ، إذا ساقها . وفي الحديث : « فيأتي قوم يَبِسُّون بأموالهم وأهليهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون » فهو في معنى قوله تعالى : { ويوم نسيّر الجبال } [ الكهف : 47 ] ، وقوله : { وسيرت الجبال } [ النبأ : 20 ] وتأكيده بقوله : { بساً } كالتأكيد في قوله : { رجاً } لإِفادة التعظيم بالتنوين .