وقوله { حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الخيام } بدل من خيرات . والحور : جمع حوراء ، وهى المرأة ذات الحور ، أى : ذات العين التى اشتد بياضها واشتد سوادها فى جمال وحسن .
ومقصورات : جمع مقصورة أى : محتجبة فى بيتها ، قد قصرت نفسها على زوجها . . فهى لا تجرى فى الطرقات . . . بل هى ملازمة لبيتها ، وتلك صفة النساء الفضليات اللاتى يزورهن من يريدهن ، أما هن فكما قال الشاعر :
ويكرمها جاراتها فيزرنها . . . وتعتل عن إتيانهن فَتُعذر
أى : فى تلك الجنات نساء خيرات فضليات جميلات مخدرات . ملازمات لبيوتهن ، لا يتطلعن إلى غير رجالهن .
القول في تأويل قوله تعالى : { حُورٌ مّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ * لَمْ يَطْمِثْهُنّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنّ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } .
يقول تعالى ذكره مخبرا عن هؤلاء الخيرات الحسان حُورٌ يعني بقول حور : بِيض ، وهي جمع حوراء ، والحوراء : البيضاء .
وقد بيّنا معنى الحور فيما مضى بشواهده المغنية عن إعادتها في هذا الموضع . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي يحيى القتات ، عن مجاهد حُورٌ قال : بيض .
قال : ثنا أبو نعيم ، عن إسرائيل ، عن مسلم ، عن مجاهد حُورٌ قال : بيض .
قال : ثنا وكيع ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد حُورٌ قال : النساء .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : حُورٌ مَقْصُورَات الحوراء : العَيْناء الحسناء .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان : الحور : سواد في بياض .
قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال : الحور : البيض قلوبهم وأنفسهم وأبصارهم .
وأما قوله : مَقْصُورَاتٌ فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم : تأويله أنهنّ قُصِرْن على أزواجهنّ ، فلا يبغين بهم بدلاً ، ولا يرفعن أطرافهنّ إلى غيرهم من الرجال . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا عبيد الله ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي يحيى القتات ، عن مجاهد : مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال : قُصِر طرفهنّ وأنفسهنّ على أزواجهنّ .
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا وكيع ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد مَقْصُورَاتٌ قال : قُصِر طرفهنّ على أزواجهنّ فلا يردن غيرهم .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال : قَصَرْن أنفسَهنّ وأبصارهنّ على أزواجهنّ ، فلا يردن غيرهم .
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا عبيد الله وابن اليمان ، عن أبي جعفر ، عن الربيع مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال : قصرن طرفهنّ على أزواجهنّ .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن منصور ، عن مجاهد مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال : قصرن أنفسهنّ وقلوبهنّ وأبصارهنّ على أزواجهنّ ، فلا يردن غيرهم .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال : قصر طرفهنّ على أزواجهنّ فلا يردن غيرهم .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور عن مجاهد ، قوله : مَقْصُورَاتٌ قال : مقصورات على أزواجهنّ فلا يردن غيرهم .
وقال آخرون : عُنِي بذلك أنهنّ محبوسات في الحِجال . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال : محبوسات في الخيام .
حدثنا جعفر بن محمد البزوري ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، بمثله .
حدثنا أبو هشام الرفاعيّ ، قال : حدثنا أبو نعيم ، عن إسرائيل ، عن مجاهد ، عن ابن عباس مَقْصُورَاتٌ قال : محبوسات .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، قال : أخبرنا أبو معشر السندي ، عن محمد بن كعب ، قال : محبوسات في الحِجال .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيام قال : لا يبرحن الخيام .
حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري ، قال : حدثنا عثام بن عليّ ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح ، في قوله : حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال : عَذارَى الجنة .
حدثنا أبو كُرَيب وأبو هشام قالا : حدثنا عثام بن عليّ ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح ، مثله .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : مَقْصُورَاتٌ قال : المحبوسات في الخيام لا يخرجن منها .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال : محبوسات ، ليس بطوّافات في الطرق .
والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله تبارك وتعالى وصفهنّ بأنهنّ مقصورات في الخيام والقصر : هو الحبس ولم يخصص وصفهنّ بأنهنّ محبوسات على معنى من المعنيين اللذين ذكرنا دون الاَخر بل عمّ وصفهنّ بذلك . والصواب أن يعمّ الخبر عنهنّ بأنهنّ مقصورات في الخيام على أزواجهنّ ، فلا يردن غيرهم ، كما عمّ ذلك .
وقوله : فِي الخِيامِ يعني بالخيام : البيوت ، وقد تسمي العرب هوادج النساء خياما ومنه قول لبيد :
شاقَتْكَ ظُعْنُ الحَيّ يَوْمَ تَحَمّلُوا *** فَتَكَنّسُوا قُطُنا تُصِرّ خِيامُها
وأما في هذه الاَية فإنه عُنِيَ بها البيوت . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا يحيى ، عن سعيد ، قال : حدثنا شعبة ، قال : حدثنا عبد الملك بن ميسرة ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال : الدرّ المجوّف .
حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا شعبة ، عن عبد الملك ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، مثله .
حدثني يحيى بن طلحة اليربوعيّ ، قال : حدثنا فضيل بن عياش ، عن هشام ، عن محمد ، عن ابن عباس في قوله : حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال : الخيمة لؤلؤة أربعة فراسخ في أربعة فراسخ لها أربعة آلاف مصراع من ذهب .
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا أبو نعيم ، عن إسرائيل ، عن مسلم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس فِي الخِيامِ قال : بيوت اللؤلؤ .
حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسيّ ، قال : حدثنا محمد بن عبيد ، قال : حدثنا إدريس الأودي ، عن شمر بن عطية ، عن أبي الأحوص ، قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أتدرون ما حور مقصورات في الخيام ؟ الخيام : درّ مجوّف .
قال : ثنا محمد بن عبيد ، قال : حدثنا مسعر ، عن عبد الملك ، عن أبي الأحوص ، في قوله : حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال : درّ مجوّف .
وبه عن أبي الأحوص قال : الخيمة : درّة مجوّفة فرسخ في فرسخ ، لها أربعة آلاف مصراع من ذهب .
قال : ثنا أبو داود ، قال : حدثنا همام ، عن قتادة ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ، قال : الخيمة في الجنة من درّة مجوّفة ، فرسخ في فرسخ لها أربعة آلاف مصراع .
حدثني أحمد بن المقدام ، قال : حدثنا المعتمر ، قال : سمعت أبي يحدّث ، عن قتادة ، عن خليد العصريّ قال : لقد ذكر لي أن الخيمة لؤلؤة مجوّفة لها سبعون مِصْراعا ، كلّ ذلك من درّ .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن سعيد بن جُبير أنه قال : الخيام : درّ مجوّف .
قال : ثنا يحيى ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : الخيام : درّ مجوّف .
حدثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : حدثنا وكيع ويعلى عن منصور ، عن مجاهد : في الخيام : قال : الدرّ المجوف .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد فِي الخِيامِ قال : خيام درّ مجوّف .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن حرب بن بشير ، عن عمرو بن ميمون ، قال : الخيام : الخيمة : درّة مجوّفة .
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا وكيع ، عن سَلَمة بن نُبَيط ، عن الضحاك ، قال : الخيمة : درّ مجوّفة .
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا ابن اليمان ، عن أبي معشر ، عن محمد بن كعب فِي الخِيام : في الحجال .
قال : ثنا عبيد الله وابن اليمان ، عن أبي جعفر ، عن الربيع فِي الخِيامِ قال : في الحجال .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا حكام ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن منصور ، عن مجاهد : في الخِيامِ قال : خيام اللؤلؤ .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد فِي الخِيامِ الخيام اللؤلؤ والفضة ، كما يقال والله أعلم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ ذُكر لنا أن ابن عباس كان يقول : الخيمة درّ مجوّفة ، فرسخ في فرسخ ، لها أربعة آلاف باب من ذهب .
وقال قتادة : كان يقال : مسكن المؤمن في الجنة ، يسير الراكب الجواد فيه ثلاث ليال وأنهاره وجنانه وما أعدّ الله له من الكرامة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : قال ابن عباس : الخيمة : درّة مجوّفة ، فرسخ في فرسخ ، لها أربعة آلاف باب من ذهب .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال يقال : خيامهم في الجنة من لؤلؤ .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال : الخيام : الدرّ المجوّف .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثني حِرْميّ بن عمارة ، قال : حدثنا شعبة ، قال : أخبرني عمارة ، عن أبي مجلز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قول الله : حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال : «دُرّ مُجَوّفٌ » .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول كان ابن مسعود يحدّث ، عن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «هِيَ الدّرّ المُجَوّفُ » يعني الخيام في قوله : حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال : في خيام اللؤلؤ .
وقوله : { مقصورات } أي محجوبات . وكانت العرب تمدح النساء بملازمة البيوت ، ومنه قول الشاعر [ أبو قيس بن الأسلت ] : [ الطويل ]
وتعتل في إتيانهن فتعذر . . . {[10856]}
يصف أن جارتها يزرنها ولا تزورهن . ويروى أن بيت الأعشى قد ذم وهو قوله : [ البسيط ]
كأن مشيتها من بين جارتها . . . مر السحابة لا ريث ولا عجل{[10857]}
فقيل في ذمه : هذه جوالة خراجة ولاجة ، ومن مدح القصر قول كثير : [ الطويل ]
وأنت التي حببت كل قصيرة . . . إليّ ولم تشعر بذاك القصائر
أريد قصيرات الحجال ولم أرد . . . قصار الخطى شر النساء البحاتر{[10858]}
قال الحسن : { مقصورات في الخيام } ليس بطوافات في الطرق ، و { الخيام } : البيوت من الخشب والثمام{[10859]} وسائر الحشيش ، وهي بيوت المرتحلين من العرب ، وخيام الجنة بيوت اللؤلؤ . وقال عمر بن الخطاب : هي در مجوف . ورواه ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإذا كان بيت المسكين عند العرب من شعر فهو بيت ، ولا يقال له خيمة ، ومن هذا قول جرير : [ الوافر ]
متى كان الخيام بذي طلوح . . . سقيت الغيث أيتها الخيام{[10860]}
ومنه قول امرئ القيس : [ المتقارب ]
أمرخ خيامهم أم عشر ؟{[10861]}
يستفهم هل هم منجدون أم غائرون لأن العشر مما لا ينبت إلا في تهامة ، والمرخ مما لا ينبت إلا في نجد .
و { حور } بدل من { خيرات } . والحُور : جمع حَوراء وهي ذات الحَوَر بفتح الواو ، وهو وصف مركب من مجموع شدة بياض أبيض العين وشدة سواد أسودها وهو من محاسن النساء ، وتقدم عند قوله تعالى : { وزوجناهم بحور عين } في سورة الدخان ( 54 ) .
ووصف نساء الجنتين الأوليين { بقاصرات الطرف } . ووصف نساء الجنات الأربع بأنهن { حور مقصورات } في الخيام ، فعلم أن الصفات الثابتة لنساء الجنتين واحدة .
والمقصورات : اللاَّءِ قُصِرت على أزواجهن لا يعدون الأنس مع أزواجهن ، وهو من صفات الترف في نساء الدنيا فهنّ اللاء لا يحتجن إلى مغادرة بيوتهن لخدمة أو وِرد أو اقتطاف ثمار ، أي هن مخدومات مكرمات كما قال أبو قيس بن الأسلت :
ويكرمها جاراتها فيزرْنَها *** وتَعْتَلَّ عن إتيانهن فتُعذر
والخيام : جمع خَيمة وهي البيت ، وأكثر ما تقال على البيت من أدم أو شعر تقام على العَمَد وقد تطلق على بيت البناء .