والفاء فى قوله : { فاصبر على مَا يَقُولُونَ } فصيحة . أى : إذا كان الحال كما بينا لك يا محمد ، فاصبر على ما يقوله هؤلاء الضالون المكذبون من أقوال لا يؤيدها عقل أو نقل .
وقوله : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشمس وَقَبْلَ الغروب } إرشاد له - صلى الله عليه وسلم - إلى ما يعينه على الصبر .
أى : اصبر - أيها الرسول الكريم - على أقوال هؤلاء الكافرين ، ونزه ربك - تعالى - عن كل مالا يليق به ، وتقرب إليه بالعبادات والطاعات { قَبْلَ طُلُوعِ الشمس وَقَبْلَ الغروب } وهما وقتا الفجر والعصر .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَاصْبِرْ عَلَىَ مَا يَقُولُونَ وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنَ اللّيْلِ فَسَبّحْهُ وَأَدْبَارَ السّجُودِ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فاصبر يا محمد على ما يقول هؤلاء اليهود ، وما يفترون على الله ، ويكذبون عليه ، فإن الله لهم بالمِرصاد وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشّمْسِ يقول : وصلّ بحمد ربك صلاة الصبح قبل طلوع الشمس وصلاة العصر قبل الغروب . كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشّمْسِ لصلاة الفجر ، وقبل غروبها : العصر .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قبلَ طُلُوعِ الشّمْسِ وَقَبْلَ الغُرُوبِ قبل طلوع الشمس : الصبح ، وقبل الغروب : العصر .
{ فاصبر على ما يقولون } ما يقول المشركون من إنكارهم البعث ، فإن من قدر على خلق العالم بلا عياء قدر على بعثهم والانتقام منهم ، أو ما يقول اليهود من الكفر والتشبيه . { وسبح بحمد ربك } ونزهه عن العجز عما يمكن والوصف بما يوجب التشبيه حامدا له على ما أنعم عليك من إصابة الحق وغيرها . { قبل طلوع الشمس وقبل الغروب } يعني الفجر والعصر وقد عرفت فضيلة الوقتين .
{ فاصبر على مَا يَقُولُونَ } .
تفريع على ما تقدم كله من قوله : { بل عجبوا أن جاءهم منذر } [ ق : 2 ] الآيات ، ومناسبة وقعه هذا الموقع ما تضمنه قوله : { وكم أهلكنا قبلهم من قرن } [ مريم : 74 ] الآية من التعريض بتسلية النبي صلى الله عليه وسلم أي فاصبر على ما يقول المشركون من التكذيب بما أخبرتهم من البعث وبالرسالة وقد جمع ذلك كله الموصول وهو { ما يقولون } .
وضمير { يقولون } عائد إلى المشركين الذين هم المقصود من هذه المواعظ والنذر ابتداء من قوله : { بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم } .
{ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشمس وَقَبْلَ الغروب } .
عطف على { فاصبر على ما يقولون } فهو من تمام التفريع ، أي اصبر على أقوال أذَاهُمْ وسخريتهم . ولعلّ وجه هذا العطف أن المشركين كانوا يستهزئون بالنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين إذا قاموا إلى الصلاة مثل قصة إلقاء عقبةَ بن أبي مُعيط سلا الجزور على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم حين سجد في المسجد الحرام في حجر الكعبة فأقبل عقبة بن أبي مُعيط فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً ، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبه ودفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال : { أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله } [ غافر : 28 ] الآية . وقال تعالى : { أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى إلى قوله : { كلالا تطعه واسجد واقترب } [ العلق : 9 19 ] .
فالمراد بالتسبيح : الصلاة وهو من أسماء الصلاة . قال ابن عطية : أجمع المتأولون على أن التسبيح هنا الصلاة . قلت : ولذلك صار فعل التسبيح منزلاً منزلة اللازم لأنه في معنى : صَلّ . والباء في { بحمد ربك } يرجح كون المراد بالتسبيح الصلاة لأن الصلاة تقرأ في كل ركعة منها الفاتحة وهي حمد لله تعالى ، فالباء للملابسة .
واختلف المفسرون في المراد بالصلاة من قوله : { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه وأدبار السجود } ففي « صحيح مسلم » عن جرير بن عبد الله : " كُنَّا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر فقال : إنكم سَتَرَوْنَ ربَّكم كما ترون هذا القمر لا تُضامُون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تُغلبوا عن صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها " يعني بذلك العصر والفجر . ثم قرأ جرير { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها } كذا . والقراءة { الغروب } . وعن ابن عباس : قبل الغروب : الظهر والعصر . وعن قتادة : العصر .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فاصبر على ما يقولون} لقولهم إن الله استراح يوم السابع {وسبح بحمد ربك} يقول: وصلِّ بأمر ربك {قبل طلوع الشمس وقبل الغروب} يقول: صلى بالغداة والعشي، يعني صلاة الفجر والظهر والعصر...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فاصبر يا محمد على ما يقول هؤلاء اليهود، وما يفترون على الله، ويكذبون عليه، فإن الله لهم بالمِرصاد،" وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشّمْسِ "يقول: وصلّ بحمد ربك صلاة الصبح قبل طلوع الشمس وصلاة العصر قبل الغروب...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{بحمد ربك} أي بالثناء على ربك أي أثن عليه بما هو أهله وما يليق به...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
{وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الغُرُوبِ} الآية. وهذا وإن كان خطاباً للنبي صلى الله عليه وسلم، فهو عام له ولأمته...
وفي هذا التسبيح وجهان: أحدهما: أنه تسبيحه بالقول تنزيهاً قبل طلوع الشمس وقبل الغروب...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وآله)" فاصبر "يا محمد "على ما يقولون" من قولهم: هو ساحر، وكذاب، ومجنون، واحتمل ذلك حتى يأتي الله بالفرج "وسبح بحمد ربك" أي نزهه عما لا يليق به...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
إِنْ تَأذَّى سَمْعُكَ بما يقولون فيَّ من الأشياء التي يتقدَّس عنها نَعْتي فاصبِرْ على ما يقولون، واستروِحْ عن ذلك بتسبيحك لنا...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
... قال النظار من المفسرين قوله تعالى: {فاصبر على ما يقولون} يراد به أهل الكتاب وغيرهم من الكفرة، وعم بذلك جميع الأقوال الزائغة من قريش وغيرهم... {وسبح} معناه: صل بإجماع من المتأولين. وقوله: {بحمد ربك} الباء للاقتران أي سبح سبحة 9 يكون معها حمد...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{فاصبر على ما} أي جميع الذي {يقولون} أي الكفرة وغيرهم...
{وسبح} أي أوقع التنزيه عن كل شائبة نقص متلبساً {بحمد ربك} أي بإثبات الإحاطة بجميع صفات الكمال للسيد المدبر المحسن إليك بجميع هذه البراهين التي خصك بها تفضيلاً لك على جميع الخلق في جميع ما {قبل طلوع الشمس} بصلاة الصبح، وما يليق به من التسبيح غيرها {وقبل الغروب} بصلاة العصر والظهر كذلك فالعصر أصل لذلك الوقت والظهر تبع لها...
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني 1250 هـ :
{فَاصْبِر عَلى مَا يَقُولُونَ} هذه تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وأمر له بالصبر على ما يقوله المشركون: أي هوّن عليك، ولا تحزن لقولهم، وتلقّ ما يرد عليك منه بالصبر {وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشمس وَقَبْلَ الغروب} أي نزّه الله عما لا يليق بجنابه العالي ملتبساً بحمده وقت الفجر ووقت العصر،...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} من الذم لك والتكذيب بما جئت به، واشتغل عنهم واله بطاعة ربك وتسبيحه، أول النهار وآخره،...
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري 1439 هـ :
{فاصبر على ما يقولون وسبح} أي فاصبر يا رسولنا على ما يقوله يهود وغيرهم من الكفر والباطل واستعن على ذلك أي على الصبر وهو صعب بالصلاة التسبيح قبل طلوع الشمس وقبل الغروب.