الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{فَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ قَبۡلَ طُلُوعِ ٱلشَّمۡسِ وَقَبۡلَ ٱلۡغُرُوبِ} (39)

فيه خمس مسائل :

الأولى- قوله تعالى : " فاصبر على ما يقولون " خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، أمره بالصبر على ما يقوله المشركون ، أي هون أمرهم عليك . ونزلت قبل الأمر بالقتال فهي منسوخة . وقيل : هو ثابت للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته . وقيل معناه : فاصبر على ما يقوله اليهود من قولهم : إن الله استراح يوم السبت .

الثانية- " وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب " قيل : إنه أراد{[14186]} به الصلوات الخمس . قال أبو صالح : قبل طلوع الشمس صلاة الصبح ، وقبل الغروب صلاة العصر . ورواه جرير بن عبدالله مرفوعا ، قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر ، فقال : ( أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها - يعني العصر والفجر ثم قرأ جرير - " وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها{[14187]} " [ طه : 130 ] متفق عليه واللفظ لمسلم . وقال ابن عباس : " قبل الغروب " الظهر والعصر . " ومن الليل فسبحه " يعني صلاة العشاءين . وقيل : المراد تسبيحه بالقول تنزيها قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ، قاله عطاء الخراساني وأبو الأحوص . وقال بعض العلماء في قوله : " قبل طلوع الشمس " قال ركعتي الفجر " وقبل الغروب " الركعتين قبل المغرب ، وقال ثمامة ابن عبدالله بن أنس : كان ذوو الألباب من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يصلون الركعتين قبل المغرب . وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال : كنا بالمدينة فإذا أذن المؤذن لصلاة المغرب ابتدروا السواري{[14188]} فركعوا ركعتين ، حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما . وقال قتادة : ما أدركت أحدا يصلي الركعتين إلا أنسا وأبا برزة الأسلمي .


[14186]:في ح، هـ ن: "يراد".
[14187]:راجع جـ 11 ص 261.
[14188]:ابتدروا السواري: أي سارعوا إليها، والسواري جمع السارية وهي العمود، أي يقف كل مصل خلف العمود لئلا يقع المرور بين يديه في صلاته منفردا.