وجملة { رَبِّ موسى وَهَارُونَ } بدل من الجملة التي قبلها ، أو صفة لرب العالمين ، أو عطف بيان . وفائدة ذلك نفى توهم من يتوهم أن رب العالمين قد يطلق على غير الله - تعالى - كقول فرعون { أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى } وهكذا نرى أثر الحق عندما تخالط بشاشته القلوب الواعية ، لقد آمن السحرة وصرحوا بذلك أمام فرعون وشيعته ، لأنهم أدركوا عن يقين قطعى أن ما جاء به موسى - عليه السلام - ليس من قبيل السحر ، والعالم في فنه هو أكثر الناس استعداداً للتسليم بالحقيقة حين تتكشف له ، ومن هنا فقد تحول السحرة من التحدى السافر إلى التسليم المطلق أمام صوله الحق الذي لا يجحده إلا مكابر حقود .
وقالوا : { آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ . رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ }
وقال محمد بن إسحاق : جعلت تبتلع{[12015]} تلك الحبال والعصى واحدة ، واحدة حتى ما يُرَى بالوادي قليل ولا كثير مما ألقوا ، ثم أخذها موسى فإذا هي عصا في يده كما كانت ، ووقع السحرة سجدا { قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ . رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ } لو كان هذا ساحرا ما غُلبنا .
وقال القاسم بن أبي بَزَّة : أوحى الله إليه أن ألق عصاك ، فألقى عصاه ، فإذا هي ثعبان فاغرٌ فَاهُ ، يبتلع{[12016]} حبالهم وعصيهم . فألقي السحرة عند ذلك سجدا ، فما رفعوا رءوسهم حتى رأوا الجنة والنار وثواب أهلهما .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَأُلْقِيَ السّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوَاْ آمَنّا بِرَبّ الْعَالَمِينَ * رَبّ مُوسَىَ وَهَارُونَ } . .
يقول تعالى ذكره : وألقي السحرة عندما عاينوا من عظيم قدرة الله ، ساقطين على وجوههم ، سجدا لربهم ، يقولون : آمنا بربّ العالمين ، يقولون صدّقنا بما جاءنا به موسى ، وأن الذي علينا عبادته هو الذي يملك الجنّ والإنس وجميع الأشياء ، وغير ذلك ، ويدبّر ذلك كله ، رب موسى وهارون ، لا فرعونُ . كالذي :
حدثني عبد الكريم ، قال : حدثنا إبراهيم بن بشار ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا أبو سعد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لما رأت السّحَرة ما رأت ، عرفت أن ذلك أمر من السماء وليس بسحر ، خرّوا سجدا ، وقالوا : آمنا بربّ العالمين ربّ موسى وهارون .
جملة : { قالوا } بدل اشتمال من جملة : { ألقي السحرة } لأن الهوي للسجود اشتمل على ذلك القول ، وهم قصدوا من قولهم ذلك الإعلان بإيمانهم بالله لئلا يظن الناس أنهم سجدوا لفرعون ، إذ كانت عادة القبط السجود لفرعون ، ولذلك وصفوا الله بأنه رب العالمين بالعنوان الذي دَعا به موسى عليه السلام ، ولعلهم لم يكونوا يعرفون اسماً علماً لله تعالى ، إذ لم يكن لله اسم عندهم ، وقد عُلم بذلك أنهم كفروا بالإهية فرعون .
وزادوا هذا القصد بياناً بالإبدال من { رب العالمين } قولّهم { رب موسى وهارون } لئلا يُتوهم المبالغة في وصف فرعون بأنه رب جميع العالمين ، وتعين في تعريف البدل طريق تعريف الإضافة لأنها أخصر طريق ، وأوضحه هنا ، لاسيما إذا لم يكونوا يعرفون اسماً علماً على الذات العلية . وهذا ما يقتضيه تعليم الله اسمه لموسى حين كلمه فقال : { إنني أنا الله } في سورة طه ( 14 ) . وفي سفر الخروج : وقال الله لموسى هكذا تقول لبني إسرائيل ( يهوه ) إله آبائكم } الخ الإصحاح الثالث .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.