اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{رَبِّ مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ} (122)

فقالوا : { رَبِّ موسى وَهَارُونَ } ، ف : " ربِّ مُوسَى " يجوز أن يكون نعتاً ل : " ربِّ العالمينَ " ، وأن يكون بدلاً ، وأنْ يكون عطف بيان .

وفائدةُ ذلك : نَفْيُ تَوَهُّم من يتوهَّمُ أنَّ رب العالمينَ قد يطلق على غير اللَّه تعالى ، لقول فرعونَ { أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى } [ النازعات : 24 ] وقدَّمُوا " مُوسَى " في الذِّكْرِ على " هَارُونَ " وإن كان هارون أسَنَّ منه ، لكبره في الرُّتْبَةِ ، أو لأنَّهُ وقع فاصِلة هنا .

ولذلك قال في سورة طه : { بِرَبِّ هَارُونَ وموسى } [ طه : 70 ] لوقوع " موسى " فاصلةً ، أو تكون كل طائفة منهم قالت إحدى المقالتين ، فنسبَ فعل البعض إلى المجمُوعِ في سورةٍ ، وفعل بعضهم الآخر إلى المجمُوعِ في أخرى .

فصل

احتجَّ أهْلُ السُّنَّةِ بقوله تعالى : { وَأُلْقِيَ السحرة سَاجِدِينَ } على أن غيرهم ألقاهُم ، وما ذاك إلاَّ اللَّهُ رب العالمين ، وهذا يدلُّ على أنَّ فعل العبد خلقُ الله تعالى .

وأجاب المُعتزِلَةُ بوجوهٍ :

أحدها : أنَّهُمْ لمَّا شاهدوا الآياتِ العظيمةَ ، لم يتمالَكُوا أن وقعوا ساجدين ، فصاروا كأنَّ مُلقِياً ألقاهُم .

وثانيها : ما تقدَّم من تفسير الأخفش .

وثالثها : أنَّهُ ليس في الآية أنَّ ملقياً ألقاهم ، فنقولُ ذلك المُلقي هُم أنفسُهم .

والجوابُ : أن خالق تلك الدَّاعيةِ في قلوبهم هو اللَّهُ تعالى ، وإلا لافتقر خَلْقُ تلك الدَّاعِيِةِ إلى داعيةٍ أخرى ، ولزم التَّسلسل ، وهو مُحَالٌ ، ثمَّ إن أصل القدرةِ مع تلك الدَّاعية الجازمة تصيرُ موجبةً للفعل ، وخالقُ ذلك الموجب هو اللَّهُ تعالى ، فكان ذلك الفعل مُسنداً إلى اللَّهِ تعالى .

فصل

فإن قيل : إنَّهُ تعالى ذكر أوَّلاً أنَّهُمْ صاروا ساجدين ، ثمَّ ذكر بعد ذلك أنهم قالوا : { قالوا آمَنَّا بِرَبِّ العالمين } .

فما الفائدة فيه مع أن الإيمان يجبُ أن يكون متقدِّماً على السُّجُودِ ؟ .

فالجوابُ ، من وجوه ، أحدها : أنَّهُم لما ظفروا بالمعرفة سجدوا للَّه تعالى في الحال ، وجعلوا ذلك السُّجُود شكراً لِلَّه تعالى على الفَوْزِ بالمَعْرفِة والإيمان ، وعلامة على انقلابهم من الكفر إلى الإيمان ، وإظهاراً للتَّذلل ، فكأنَّهم جعلوا ذلك السُّجُود الواحد علامةً على هذه الأمور .

وثانيها : لا يبعد أنَّهُمْ عند الذهاب إلى السُّجود قالوا : { آمَنَّا بِرَبِّ العالمين } .

فصل

فإن قيل : لمّا قالوا : { قالوا آمَنَّا بِرَبِّ العالمين } دخل موسى وهارون في جملة العالمين ، فما فائدة تخصيصهما بعد ذلك ؟

فالجواب من وجهين :

الأول : أن التقدير آمنا برب العالمين ، وهو الذي دعا إلى الإيمان به وبموسى وهارون .

الثاني : خَصَّهُمَا بالذِّكْرِ تشريفاً ، وتفضيلاً كقوله : { وملائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ } [ البقرة : 98 ] .