فقالوا : { رَبِّ موسى وَهَارُونَ } ، ف : " ربِّ مُوسَى " يجوز أن يكون نعتاً ل : " ربِّ العالمينَ " ، وأن يكون بدلاً ، وأنْ يكون عطف بيان .
وفائدةُ ذلك : نَفْيُ تَوَهُّم من يتوهَّمُ أنَّ رب العالمينَ قد يطلق على غير اللَّه تعالى ، لقول فرعونَ { أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى } [ النازعات : 24 ] وقدَّمُوا " مُوسَى " في الذِّكْرِ على " هَارُونَ " وإن كان هارون أسَنَّ منه ، لكبره في الرُّتْبَةِ ، أو لأنَّهُ وقع فاصِلة هنا .
ولذلك قال في سورة طه : { بِرَبِّ هَارُونَ وموسى } [ طه : 70 ] لوقوع " موسى " فاصلةً ، أو تكون كل طائفة منهم قالت إحدى المقالتين ، فنسبَ فعل البعض إلى المجمُوعِ في سورةٍ ، وفعل بعضهم الآخر إلى المجمُوعِ في أخرى .
احتجَّ أهْلُ السُّنَّةِ بقوله تعالى : { وَأُلْقِيَ السحرة سَاجِدِينَ } على أن غيرهم ألقاهُم ، وما ذاك إلاَّ اللَّهُ رب العالمين ، وهذا يدلُّ على أنَّ فعل العبد خلقُ الله تعالى .
أحدها : أنَّهُمْ لمَّا شاهدوا الآياتِ العظيمةَ ، لم يتمالَكُوا أن وقعوا ساجدين ، فصاروا كأنَّ مُلقِياً ألقاهُم .
وثانيها : ما تقدَّم من تفسير الأخفش .
وثالثها : أنَّهُ ليس في الآية أنَّ ملقياً ألقاهم ، فنقولُ ذلك المُلقي هُم أنفسُهم .
والجوابُ : أن خالق تلك الدَّاعيةِ في قلوبهم هو اللَّهُ تعالى ، وإلا لافتقر خَلْقُ تلك الدَّاعِيِةِ إلى داعيةٍ أخرى ، ولزم التَّسلسل ، وهو مُحَالٌ ، ثمَّ إن أصل القدرةِ مع تلك الدَّاعية الجازمة تصيرُ موجبةً للفعل ، وخالقُ ذلك الموجب هو اللَّهُ تعالى ، فكان ذلك الفعل مُسنداً إلى اللَّهِ تعالى .
فإن قيل : إنَّهُ تعالى ذكر أوَّلاً أنَّهُمْ صاروا ساجدين ، ثمَّ ذكر بعد ذلك أنهم قالوا : { قالوا آمَنَّا بِرَبِّ العالمين } .
فما الفائدة فيه مع أن الإيمان يجبُ أن يكون متقدِّماً على السُّجُودِ ؟ .
فالجوابُ ، من وجوه ، أحدها : أنَّهُم لما ظفروا بالمعرفة سجدوا للَّه تعالى في الحال ، وجعلوا ذلك السُّجُود شكراً لِلَّه تعالى على الفَوْزِ بالمَعْرفِة والإيمان ، وعلامة على انقلابهم من الكفر إلى الإيمان ، وإظهاراً للتَّذلل ، فكأنَّهم جعلوا ذلك السُّجُود الواحد علامةً على هذه الأمور .
وثانيها : لا يبعد أنَّهُمْ عند الذهاب إلى السُّجود قالوا : { آمَنَّا بِرَبِّ العالمين } .
فإن قيل : لمّا قالوا : { قالوا آمَنَّا بِرَبِّ العالمين } دخل موسى وهارون في جملة العالمين ، فما فائدة تخصيصهما بعد ذلك ؟
الأول : أن التقدير آمنا برب العالمين ، وهو الذي دعا إلى الإيمان به وبموسى وهارون .
الثاني : خَصَّهُمَا بالذِّكْرِ تشريفاً ، وتفضيلاً كقوله : { وملائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ } [ البقرة : 98 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.