ثم وصفهم - سبحانه - بصفة ثانية فقال : { والذين في أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ . لِّلسَّآئِلِ والمحروم } .
والمراد بالحق المعلوم : ما أوجبوه على أنفسهم من دفع جزء من أموالهم للمحتاجين ، على سبيل التقرب إلى الله - تعالى - وشكره على نعمه ، ويدخل فى هذا الحق المعلوم دخولا أوليا ما فرضه - سبحانه - عليهم من زكاة أموالهم .
قالوا : ولا يمنع ذلك من أن تكون السورة مكية ، فقد يكون أصل مشروعية الزكاة بمكة ، ثم أتى تفصيل أحكامها بالمدينة ، عن طريق السنة النبوية المطهرة .
والسائل : هو الذى يسأل غيره الصدقة ، والمحروم : هو الذى لا يسأل غيره تعففا ، وإن كان فى حاجة إلى العود والمساعدة .
أى : ومن الذين استثناهم - سبحانه - منصفة الهلع : أولئك المؤمنون الصادقون الذين جعلوا فى أموالهم حقا معينا ، يخرجونه عن إخلاص وطيب خاطر ، لمن يستحقونه من السائلين والمحرومين . . على سبيل الشكر لخالقهم على ما أنعم عليهم من نعم .
ووصف - سبحانه - ما يعطونه من أموالهم بأنه { حَقٌّ } للإشارة إلى أنهم - لصفاء أنفسهم - قد جعلوا السائل والمحروم ، كأنه شريك لهم فى أموالهم ، وكأن ما يعطونه له إنما هو بمثابة الحق الثابت عندهم له .
( والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ) . .
وهي الزكاة على وجه التخصيص والصدقات المعلومة القدر . . وهي حق في أموال المؤمنين . . أو لعل المعنى أشمل من هذا وأكبر . وهو أنهم يجعلون في أموالهم نصيبا معلوما يشعرون أنه حق للسائل والمحروم . وفي هذا تخلص من الشح واستعلاء على الحرص ! كما أن فيه شعورا بواجب الواجد تجاه المحروم ، في هذه الأمة المتضامنة المتكافلة . . والسائل الذي يسأل ؛ والمحروم الذي لا يسأل ولا يعبر عن حاجته فيحرم . أو لعله الذي نزلت به النوازل فحرم وعف عن السؤال . والشعور بأن للمحتاجين والمحرومين حقا في الأموال هو شعور بفضل الله من جهة ، وبآصرة الإنسانية من جهة ، فوق ما فيه من تحرر شعوري من ربقة الحرص والشح . وهو في الوقت ذاته ضمانة اجتماعية لتكافل الأمة كلها وتعاونها . فهي فريضة ذات دلالات شتى ، في عالم الضمير وعالم الواقع سواء . . وذكرها هنا فوق أنه يرسم خطا في ملامح النفس المؤمنة فهو حلقة من حلقات العلاج للشح والحرص في السورة .
وتسمية ما يعطونه من أموالهم من الصدقات باسم { حق } للإِشارة إلى أنهم جعلوا السائل والمحروم كالشركاء لهم في أموالهم من فرط رغبتهم في مواساة إخوانهم إذ لم تكن الصدقة يومئذٍ واجبة ولم تكن الزكاة قد فرضت .
ومعنى كون الحق معلوماً أنه يعلمه كل واحد منهم ويحسبونه ، ويعلمه السائل والمحروم بما اعتاد منهم .
ومجيء الصلة جملة اسمية لإِفادة ثبات هذه الخصلة فيهم وتمكنها منهم دفعاً لتوهم الشح في بعض الأحيان لما هو معروف بين غالب الناس من معاودة الشحّ للنفوس .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وإلا الذين في أموالهم حقّ مؤقت، وهو الزكاة للسائل الذي يسأله من ماله، والمحروم الذي قد حرم الغنى، فهو فقير لا يسأل. واختلف أهل التأويل في المعنىّ بالحقّ المعلوم الذي ذكره الله في هذا الموضع، فقال بعضهم: هو الزكاة.
وقال آخرون: بل ذلك حقّ سوى الزكاة...
عن ابن عباس في قوله:"وَالّذِينَ فِي أمْوَالِهِمْ حَقّ مَعْلُومٌ للسّائِلِ وَالمَحْرُومِ "يقول: هو سوى الصدقة يصل بها رحمه، أو يقرى بها ضيفا، أو يحمل بها كلاّ، أو يُعِين بها محروما...
ابن عمر سُئل عن قوله:"فِي أمْوَالِهِمْ حَقّ مَعْلُومٌ للسّائِلِ وَالمَحْرُومِ" أهي الزكاة؟ فقال: إن عليك حقوقا سوى ذلك...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{حَقٌّ مَّعْلُومٌ} هو الزكاة، لأنها مقدرة معلومة؛ أو صدقة يوظفها الرجل على نفسه يؤديها في أوقات معلومة.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما ذكر زكاة الروح، أتبعه زكاة عديلها المال، فقال مبيناً للرسوخ في الوصف بالعطف بالواو: {والذين في أموالهم} أي التي منَّ سبحانه بها عليهم {حق} ولما كان السياق هنا لأعم من المحسنين الذين تقدموا في الذاريات اقتصر على الفرض فقال: {معلوم} أي من الزكوات وجميع النفقات الواجبة.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم).. وهي الزكاة على وجه التخصيص والصدقات المعلومة القدر.. وهي حق في أموال المؤمنين.. أو لعل المعنى أشمل من هذا وأكبر. وهو أنهم يجعلون في أموالهم نصيبا معلوما يشعرون أنه حق للسائل والمحروم. وفي هذا تخلص من الشح واستعلاء على الحرص! كما أن فيه شعورا بواجب الواجد تجاه المحروم، في هذه الأمة المتضامنة المتكافلة.. والسائل الذي يسأل؛ والمحروم الذي لا يسأل ولا يعبر عن حاجته فيحرم. أو لعله الذي نزلت به النوازل فحرم وعف عن السؤال. والشعور بأن للمحتاجين والمحرومين حقا في الأموال هو شعور بفضل الله من جهة، وبآصرة الإنسانية من جهة، فوق ما فيه من تحرر شعوري من ربقة الحرص والشح. وهو في الوقت ذاته ضمانة اجتماعية لتكافل الأمة كلها وتعاونها. فهي فريضة ذات دلالات شتى، في عالم الضمير وعالم الواقع سواء.. وذكرها هنا فوق أنه يرسم خطا في ملامح النفس المؤمنة فهو حلقة من حلقات العلاج للشح والحرص في السورة...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وتسمية ما يعطونه من أموالهم من الصدقات باسم {حق} للإِشارة إلى أنهم جعلوا السائل والمحروم كالشركاء لهم في أموالهم من فرط رغبتهم في مواساة إخوانهم إذ لم تكن الصدقة يومئذٍ واجبة ولم تكن الزكاة قد فرضت. ومعنى كون الحق معلوماً أنه يعلمه كل واحد منهم ويحسبونه، ويعلمه السائل والمحروم بما اعتاد منهم. ومجيء الصلة جملة اسمية لإِفادة ثبات هذه الخصلة فيهم وتمكنها منهم دفعاً لتوهم الشح في بعض الأحيان لما هو معروف بين غالب الناس من معاودة الشحّ للنفوس.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ* للسائل وَالْمَحْرُومِ} فهم يرون أن ملكية المال لا تمنحهم درجةً متقدمة على الناس، في ما هو مضمون الامتيازات الحقوقية عليهم، بل تحمّلهم مسؤولية الحق الذي يملكه الناس عليهم ممن يعيشون الحرمان من العيش الكريم من خلال ضغط الحاجات عليهم. ولذلك فإنهم يفرضون على أنفسهم حقّاً ماليّاً معيّناً اختيارياً من خلال ما فرضه الله عليهم فأطاعوه في قيامهم به، أو من خلال ما فرضوه على أنفسهم مما استحبّه الله لهم أو أحلّه لهم، ليعيشوا روح المشاركة للآخرين من الذين تدفعهم حاجاتهم إلى سؤال الآخرين، أو تمثّل المستوى المعيشي الذي يجعلهم في هذه الدرجة حتى لو لم يسألوا الناس، ومن المحرومين الذين عاشوا الحرمان المالي من خلال ضيق اليد وضغط الحاجات، وبذلك يتحمّلون مسؤولية المال في ما يؤمنون به من أنه مال الله الذي آتاهم، فلا بد من أن يمنحوا بعضه لعباد الله، أو أنه الرزق الذي جعلهم وكلاء عليه، وأراد لهم أن يعطوه للسائل والمحروم، فارتفعوا بذلك عن الحالة الضيّقة التي كانت تمنعهم من إعطاء الخير الذي أعطاهم الله إيّاه للناس الذين يحتاجون إليه،...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.