وقال ها هنا { مُدْهَآمَّتَانِ } أى : سوداوان من شدة الرى من الماء .
وقال الإمام القرطبى : فإن قيل : كيف لم يذكر أهل هاتين الجنتين ، كما ذكر أهل الجنتين الأوليين ؟
قيل : الجنان الأربع لمن خاف مقام ربه . إلا أن الخائفين مراتب ، فالجنتان الأوليان لأعلى العباد منزلة فى الخوف من الله - تعالى - ، والجنتان الأخريان لمن قصرت حاله فى الخوف من الله - تعالى - .
وقال الآلوسى : قوله - تعالى - : { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } مبتدأ وخبر أى : ومن دون تينك الجنتين فى المنزلة والقدر جنتان أخريان والأكثرون على أن الأوليين للسابقين ، وهاتين لأصحاب اليمين .
وقوله : { مُدْهَآمَّتَانِ } صفة للجنتين . . . أى : هما شديدتا الخضرة ، والخضرة إذا اشتدت ضربت إلى السواد من كثرة الرى .
قال ابن عباس في قوله : { مُدْهَامَّتَان } قد اسودتا من الخضرة ، من شدة الري من الماء .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا ابن فُضَيْل ، حدثنا عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { مُدْهَامَّتَان } : قال : خضراوان . ورُوي عن أبي أيوب الأنصاري ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن أبي أَوْفَى ، وعكرمة ، وسعيد بن جُبَير ، ومجاهد - في إحدى الروايات - وعطاء ، وعطية العَوْفي ، والحسن البصري ، ويحيى بن رافع ، وسفيان الثوري ، نحو ذلك .
وقال محمد بن كعب : { مُدْهَامَّتَان } : ممتلئتان من الخضرة . وقال قتادة : خضراوان من الري ناعمتان . ولا شك في نضارة الأغصان على الأشجار المشبكة بعضها في بعض .
وقوله : مُدْهامّتانِ يقول تعالى ذكره . مسوادّتان من شدة خضرتهما . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : مُدْهامّتانِ يقول : خضراوان .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : مُدْهامّتانِ قال : خضراوان من الريّ ، ويقال : ملتفتان .
حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : أخبرنا محمد بن بشر ، قال : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن حارثة بن سليمان السلميّ ، قال : سمعت ابن الزّبَير وهو يفسّر هذه الاَية على المنبر ، وهو يقول : هل تدرون ما مُدْهامّتانِ ؟ خضراوان من الريّ .
حدثني محمد بن عمارة هو الأسديّ ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن حارثة بن سليمان ، هكذا قال ، قال ابن الزّبَير مُدْهامّتانِ خضراوان من الريّ .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا مروان بن معاوية ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن حارثة بن سليمان ، أن ابن الزّبَير قال : مُدْهامّتانِ قال : هما خضراوان من الريّ .
حدثنا الفضل بن الصباح ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن عطاء ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس مُدْهامّتانِ قال : خضراوان .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، عن عطية مُدْهامّتانِ قال : خضراوان من الرّيّ .
حدثني محمد بن عمارة ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح في قوله : مُدْهامّتانِ قال : خضراوان من الريّ .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن عنبسة ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جُبَير مُدْهامّتانِ قال : علاهما الريّ من السواد والخضرة .
قال : ثنا حكام ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن سعيد بن جُبَير مُدْهامّتانِ قال : خضراوان .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : مُدْهامّتانِ قال : مسوادّتان .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : مُدْهامّتانِ يقول : خضراوان من الريّ ناعمتان .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : مُدْهامّتانِ قال : خضراوان من الريّ : إذا اشتدت الخضرة ضربت إلى السواد .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : مُدْهامّتانِ قال : ناعمتان .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن أبي سنان مُدْهامّتانِ قال : مسوادّتان من الريّ .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال : جنتا السابقين ، فقرأ ذَوَاتا أفْنانٍ ، وقرأ كأنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ ، ثم رجع إلى أصحاب اليمين فقال وَمِنْ دُونِهِما جَنّتانِ فذكر فضلهما وما فيهما ، قوله : مُدْهامّتانِ من الخضرة من شدة خضرتهما ، حتى كادتا تكونان سَوْداوين .
حدثني محمد بن سنان القزّاز ، قال : حدثنا الحسين بن الحسن الأشقر ، قال : حدثنا أبو كُدَينة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، في قوله : مُدْهامّتانِ قال : خضراوان .
و{ مدهامتان } وصف مشتق من الدُّهمة بضم الدال وهي لون السواد . ووصف الجنتين بالسواد مبالغة في شدة خضرة أشجارهما حتى تكونا بالتفاف أشجارها وقوة خضرتها كالسوداوين لأن الشجر إذا كان ريّان اشتدت خضرة أوراقه حتى تقرب من السواد ، وقد أخذ هذا المعنى أبو تمام وركَّب عليه فقال :
يا صاحبيَّ تقصَّيَا نَظَريكُما *** تَريا وجوهَ الأرض كيف تَصوَّر
تريا نهاراً مشمِساً قد شابَهُ *** زَهْــرُ الرُّبى فكأنما هو مقمر