التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{عَمَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (93)

ثم أكد - سبحانه - هذا التهديد والوعيد فقال : { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } .

والفاء هنا متفرعة على ما سبق تأكيده في قوله { وَإِنَّ الساعة لآتِيَةٌ . . . } إذ في هذا اليوم يكون سؤالهم .

والواو للقسم ، أى : فوحق ربك - أيها الرسول الكريم - الذي خلقك فسواك فعدلك ، لنسألن هؤلاء المكذبين جميعًا ، سؤال توبيخ وتقريع وتبكيت ، عما كانوا يعملونه في الدنيا من أعمال قبيحة : وعما كانوا يقولونه من أقوال فاسدة ، ثم لننزلن بهم جميعًا العقوبة المناسبة لهم .

فالمقصود من هذه الآية الكريمة زيادة التسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وتأكيد التهديد للمشركين .

   
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{عَمَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (93)

القول في تأويل قوله تعالى { فَوَرَبّكَ لَنَسْأَلَنّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فوربك يا محمد لنسألنّ هؤلاء الذين جعلوا القرآن في الدنيا عضين في الاَخرة عما كانوا يعملون في الدنيا ، فيما أمرناهم به وفيما بعثناك به إليهم من آي كتابي الذي أنزلته إليهم وفيما دعوناهم إليه من الإقرار به ومن توحيدي والبراءة من الأنداد والأوثان .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب وأبو السائب ، قالا : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت ليثا ، عن بشير ، عن أنس ، في قوله : فَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَنّهُمْ أجمَعِينَ قال : عن شهادة أن لا إله إلاّ الله .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا شريك ، عن ليث ، عن بشير بن نهيك ، عن أنس ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : فَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَنّهُمْ أجمَعِينَ قال : «عَنْ لا إله إلاّ الله » .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن بشير ، عن أنس ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوه .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قولفَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَنّهُمْ أجمَعِينَ عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ قال : عن لا إله إلاّ الله .

حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا شريك ، عن هلال ، عن عبد الله بن عُكَيْم ، قال : قال عبد الله : والذي لا إله غيره ، ما منكم أحد إلاّ سيخلو الله به يوم القيامة كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر ، فيقول : ابن آدم ماذا غرّك مني بي ابن آدم ؟ ماذا عملت فيما علمت ابن آدم ؟ ماذا أجبت المرسلين ؟

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : فَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَنّهُمْ أجمَعِينَ عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ قال : يُسأل العباد كلهم عن خَلّتين يوم القيامة : عما كانوا يعبدون ، وعما أجابوا المرسلين .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا الحسين الجعفي ، عن فضيل بن مرزوق ، عن عطية العوفي عن ابن عمر : لَنَسْئَلَنّهُمْ أجمَعِينَ عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ قال : عن لا إله إلاّ الله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس قوله : فَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَنّهُمْ أجمَعِينَ عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ . ثم قال : فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إنْسٌ وَلا جانّ قال : لا يسألهم هل عملتم كذا وكذا ؟ لأنه أعلم بذلك منهم ، ولكن يقول لهم : لِمَ عملتم كذا وكذا ؟

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، مولى زيد بن ثابت ، عن سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : أنزل الله تعالى ذكره : فاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ فإنه أمر من الله تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم بتبليغ رسالته قومه وجميع من أرسل إليه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{عَمَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (93)

{ عما كانوا يعلمون } من التقسيم أو النسبة إلى السحر فنجازيهم عليه . وقيل هو عام في كل ما فعلوا من الكفر والمعاصي .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{عَمَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (93)

وقوله { فوربك لنسألنهم } إلى آخر الآية ، ضمير عام ووعيد محض يأخذ كل أحد منه بحسب جرمه وعصيانه ، فالكافر يسأل عن لا إله إلا الله وعن الرسل وعن كفره وقصده به ، والمؤمن العاصي يسأل عن تضييعه ، والإمام عن رعيته ، وكل مكلف عما كلف القيام به ، وفي هذا المعنى أحاديث ، وقال أبو العالية في تفسير هذه الآية : يسأل العباد كلهم عن خلتين يوم القيامة عما كانوا يعبدون وماذا أجابوا المرسلين ، وقال في تفسيرها أنس بن مالك وابن عمر ومجاهد : إن السؤال عن لا إله إلا الله ، وذكره الزهراوي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال ابن عباس في قوله { فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون }{[7228]} ، قال يقال لهم : لم عملتم كذا وكذا ؟ قال وقوله تعالى : { فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان }{[7229]} [ الرحمن : 39 ] معناه يقال له ما أذنبت لأن الله تعالى أعلم بذنبه منه .


[7228]:قال الزمخشري: أقسم تعالى بذاته وربوبيته مضافا إلى رسوله على جهة التشريف.
[7229]:من الآية (39) من سورة (الرحمن).

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{عَمَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (93)

الفاء للتفريع ، وهذا تفريع على ما سبق من قوله تعالى : { وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل } [ سورة الحجر : 85 ] .

والواو للقسم ، فالمفرع هو القسم وجوابُه . والمقصود بالقسم تأكيد الخبر . وليس الرسول عليه الصلاة والسلام ممن يشكّ في صدق هذا الوعيد ؛ ولكن التأكيد متسلطّ على ما في الخبر من تهديد معاد ضمير النصب في { لنسألنهم } .

ووصف الربّ مضافاً إلى ضمير النبي صلى الله عليه وسلم إيماء إلى أن في السؤال المقسم عليه حَظّاً من التنويه به ، وهو سؤال الله المكذّبين عن تكذيبهم إياه سؤال ربّ يغضب لرسوله عليه الصلاة والسلام .

والسؤال مستعمل في لازم معناه وهو عقاب المسؤول كقوله تعالى : { ثم لتسألن يومئذٍ عن النعيم } [ سورة التكاثر : 8 ] فهو وعيد للفريقين .