ثم ختم - سبحانه - هذه الآيات بتأكيد علمه بكل شىء قال : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السمآء والأرض . . } .
أى : لقد علمت - أيها الرسول الكريم - وتيقنت ، أن الله - تعالى - لا يعزب عن علمه مثقال ذرة مما يحصل فى السموات والأرض من أقوال أو أفعال .
{ إِنَّ ذلك } الذى يجرى فى السموات والأرض كائن وثابت { فِي كِتَابٍ } هو اللوح المحفوظ المشتمل على جميع أحوال الخلق .
{ إِنَّ ذلك } الذى ذكرناه لك من الحكم بين الناس ، ومن العلم بأحوالهم ومن تسجيل أعمالهم { عَلَى الله } - تعالى - { يَسِيرٌ } وهين ، لأنه - سبحانه - له الخلق والأمر ، تبارك الله رب العالمين .
وهو الذي يعلم ما في السماء والأرض كله ؛ ومن ضمنه عملهم ونياتهم وهو بها محيط :
( ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض . إن ذلك في كتاب . إن ذلك على الله يسير ) . وعلم الله الكامل الدقيق لا يخفى عليه شيء في السماء ولا في الأرض ، ولا يتأثر بالمؤثرات التي تنسى وتمحو . فهو كتاب يضم علم كل شيء ويحتويه .
وإن العقل البشري ليصيبه الكلال ، وهو يتأمل - مجرد تأمل - بعض ما في السماء والأرض ، ويتصور إحاطة علم الله بكل هذا الحشد من الأشياء والأشخاص ، والأعمال والنيات والخواطر والحركات ، في عالم المنظور وعالم الضمير . ولكن هذا كله ، بالقياس إلى قدرة الله وعلمه شيء يسير : ( إن ذلك على الله يسير ) .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السّمَآءِ وَالأرْضِ إِنّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنّ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ } .
يقول تعالى ذكره : ألم تعلم يا محمد أن الله يعلم كلّ ما في السموات السبع والأرضين السبع ، لا يخفى عليه من ذلك شيء ، وهو حاكم بين خلقه يوم القيامة ، على علم منه بجميع ما عملوه في الدنيا ، فمجازي المحسن منهم بإحسانه والمسيء بإساءته . إنّ ذَلِكَ في كِتَابٍ يقول تعالى ذكره : إن علمه بذلك في كتاب ، وهو أمّ الكتاب الذي كتب فيه ربنا جلّ ثناؤه قبل أن يخلق خلقه ما هو كائن إلى يوم القيامة . إنّ ذلكَ عَلى اللّهِ يَسِيرٌ . كما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا ميسر بن إسماعيل الحلبيّ ، عن الأوزاعيّ ، عن عبدة بن أبي لُبابة ، قال : علم الله ما هو خالق وما الخلق عاملون ، ثم كتبه ، ثم قال لنبيه : ألَمْ تَعْلَمْ أنّ اللّهَ يَعْلَمُ ما فِي السّماءِ والأرْضِ إنّ ذَلِكَ فِي كِتابٍ إنّ ذَلِكَ عَلى اللّهِ يَسِيرٌ .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني ميسر ، عن أرطاة بن المنذر ، قال : سمعت ضَمْرة بن حبيب يقول : إن الله كان على عرشه على الماء ، وخلق السموات والأرض بالحقّ ، وخلق القلم فكتب به ما هو كائن من خلقه ، ثم إن ذلك الكتاب سبح الله ومجّده ألف عام ، قبل أن يبدأ شيئا من الخلق .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني معتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن سيار ، عن ابن عباس ، أنه سأل كعب الأحبار عن أمّ الكتاب ، فقال : علم الله ما هو خالق وما خلقه عاملون ، فقال لعلمه : كُنْ كتابا .
وكان ابن جُرَيج يقول في قوله : إنّ ذَلَكَ فِي كِتابٍ ما :
حدثنا به القاسم ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج : إنّ ذَلِكَ فِي كِتابٍ قال : قوله : اللّهُ يَحْكُم بَيْنَكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتِلَفُونَ .
وإنما اخترنا القول الذي قلنا في ذلك ، لأن قوله : إنّ ذلكَ إلى قوله : ألَمْ تَعْلَمْ أنّ اللّهَ يَعْلَمُ ما فِي السّمآءِ والأرْضِ أقرب منه إلى قوله : اللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ، فكان إلحاق ذلك بما هو أقرب إليه أولى منه بما بعد .
وقوله : إنّ ذَلِكَ عَلى اللّهِ يَسِيرٌ اختلف في ذلك ، فقال بعضهم : معناه : إن الحكم بين المختلفين في الدنيا يوم القيامة على الله يسير . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج : إنّ ذَلِكَ عَلى الله يَسِيرٌ قال : حكمه يوم القيامة ، ثم قال بين ذلك : ألَمْ تَعْلَمْ أنّ اللّهَ يَعْلَمُ ما فِي السّماءِ وَالأرضِ إنّ ذلكَ في كتابٍ .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أن كتاب القلم الذي أمره الله أن يكتب في اللوح المحفوظ ما هو كائن على الله يسير يعني هين . وهذا القول الثاني أولى بتأويل ذلك ، وذلك أن قوله : إنّ ذلكَ عَلى اللّهَ يَسِيرٌ . . . إلى قوله : ألَمْ تَعْلَمْ أنّ اللّهَ يَعْلَمُ ما فِي السّماءِ والأرْضِ بينهما فإلحاقه بما هو أقرب أولى ما وجد للكلام ، وهو كذلك مخرج في التأويل صحيح .
لما أخبر تعالى في الآية قبلها أنه يحكم بين الناس يوم القيامة فيما اختلفوا فيه أتبع ذلك الخير بأن عنده علم كل شيء ليقع الحكم في معلوم ، فخرجت العبارة على طريق التنبيه على علم الله تعالى وإحاطته و { إن ذلك } كله { في كتاب } وهو اللوح المحفوظ وقوله : { إن ذلك على الله يسير } ، يحتمل أَن تكون الإشارة إلى كون ذلك في كتاب وكونه معلوماً ، ويحتمل أن تكون الإشارة إلى الحكم في الاختلاف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.