فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَٰبٍۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (70)

{ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ( 70 ) وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ ( 71 ) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ( 72 ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ( 73 ) } .

وقيل إنها منسوخة بآية السيف وهذا إنما يصح إذا كان المراد من قوله : { وَإِن جَادَلُوكَ } الكف عن قتالهم وهو غير متعين ؛ بل يصح أن يكون المعنى : فاترك جدالهم وفوض الأمر إلى الله فيكون هذا وعيدا لهم على أعمالهم ، وهذا المعنى لا تنسخه آية السيف ، بل هو باق بعد مشروعية القتال لعدم المنافاة .

{ أَلَمْ تَعْلَمْ ؟ } مستأنفة مقررة لمضمون ما قبلها ، والاستفهام للتقرير أي قد علمت يا محمد وتيقنت { أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ } ومن جملة ذلك ما أنتم عليه من الاختلاف { إِنَّ ذَلِكَ } الذي في السماء والأرض من معلوماته { فِي كِتَابٍ } أي مكتوب عنده في أم الكتاب .

أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال : خلق الله اللوح المحفوظ مسيرة مائة عام ، وقال للقلم قبل أن يخلق الخلق وهو على عرشه : اكتب ، قال : ما أكتب ؟ قال : علمي في خلقي إلى يوم تقوم الساعة ، فجرى القلم بما هو كائن في علم الله إلى يوم القيامة ، فذلك قوله سبحانه للنبي صلى الله عليه وسلم : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ } يعني ما في السماوات السبع والأرضين السبع ، إن ذلك العلم في كتاب ، يعني في اللوح المحفوظ ، مكتوب قبل أن يخلق السماوات والأرضين .

{ إِنَّ ذَلِكَ } يعني إن الحكم منه سبحانه بين عباده فيما يختلفون فيه { عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } أي هين أو أن إحاطة علمه بما في السماء والأرض جملة وتفصيلا يسير عليه ، وإن تعذر على الخلق .