اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَٰبٍۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (70)

قوله تعالى : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السماء والأرض } الآية . لما قال : { الله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ } [ الحج : 69 ] أتبعه{[31859]} بما به يعلم أنه تعالى عالم بما{[31860]} يستحقه كل أحد ، ويقع الحكم بينهم بالعدل لا بالجور فقال لرسوله : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السماء والأرض } ، وهذا استفهام معناه تقوية قلب الرسول - عليه السلام{[31861]} - والوعد له وإيعاد الكافرين بأن أفعالهم كلها محفوظة عند الله لا يضل عنه ولا ينسى . والخطاب مع الرسول والمراد سائر العباد لأن الرسالة لا تثبت إلا بعد العلم بكونه تعالى عالماً بكل المعلومات ، إذ لو لم يثبت ذلك لجاز أن يشتبه عليه الكاذب بالصادق ، فحينئذ لا يكون إظهار المعجزة دليلاً على الصدق ، وإذا كان كذلك استحال أن لا يكون الرسول عالماً بذلك ، فثبت أن المراد أن يكون خطاباً مع الغير ثم قال : { إِنَّ ذلك فِي كِتَابٍ } أي : كله في كتاب يعني اللوح المحفوظ{[31862]} .

وقال أبو مسلم : معنى الكتاب الحِفْظ{[31863]} والضَّبْط والشَّد{[31864]} ، يقال : كَتَبْتُ المزادة{[31865]} أكْتُبُها إذا خَرزْتها ، فحفظت بذلك ما فيها ، ومعنى الكتاب بين الناس حفظ ما يتعاملون به ، فالمراد بالآية أنه محفوظ عنده . وأيضاً فالقول الأول يوهم أن علمه مستفاد من الكتاب .

وأجيب بأن هذا القول وإن كان صحيحاً نظراً إلى الاشتقاق لكن حمل اللفظ على المتعارف أولى ، ومعلوم أن الكتاب هو{[31866]} ما كتب فيه الأمور{[31867]} .

فإن قيل : أي فائدة في ذلك الكتاب إذا كان محفوظاً ؟

فالجواب أن كتبه تلك الأشياء في ذلك الكتاب مع كونها مطابقة للموجودات دليل على أنه تعالى غني في علمه عن ذلك الكتاب . وفائدة أن الملائكة ينظرون فيه ، ثم يرون الحوادث داخلة في الوجود على وفقه فيصير ذلك دليلاً لهم زائداً على كونه تعالى عالماً بكل المعلومات{[31868]} وقوله : { إِنَّ ذلك عَلَى الله يَسِيرٌ } أي العلم بجميع ذلك على الله يسير . والمعنى : إن ذلك مما يتعذر على الخلق لكنه متى أراده الله تعالى كان ، فعبر عن ذلك بأنه يسير ، وإن كان هذا الوصف لا يستعمل إلا فينا من حيث تسهل وتصعب علينا الأمور ، وتعالى{[31869]} الله عن ذلك{[31870]} .


[31859]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 23/ 66 – 67.
[31860]:في ب: مما.
[31861]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[31862]:وهو قول الجمهور.
[31863]:في ب: والحفظ.
[31864]:في ب: والسد وهو تصحيف.
[31865]:المزادة: الراوية، قال أبو عبيد: لا تكون إلا من جلدين تفأم بجلد ثالث بينهما لتتسع. اللسان (زيد).
[31866]:هو: سقط من ب.
[31867]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 23/ 66 – 67.
[31868]:انظر الفخر الرازي 23/67.
[31869]:في النسختين: ويتعالى.
[31870]:انظر الفخر الرازي 23/67.