المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{كَلَّا وَٱلۡقَمَرِ} (32)

32 - ردعاً لمن ينذر بها ولم يخف ، أقسم بالقمر ، وبالليل إذا ذهب ، وبالصبح إذا أضاء وانكشف إن سقر لأعظم الدواهي الكبرى إنذاراً وتخويفاً .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{كَلَّا وَٱلۡقَمَرِ} (32)

ثم أبطل - سبحانه - ما أنكره الذين فى قلوبهم مرض ، وما أنكره الكافرون مما جاء به القرآن الكريم ، فقال : { كَلاَّ والقمر . والليل إِذْ أَدْبَرَ . والصبح إِذَآ أَسْفَرَ . إِنَّهَا لإِحْدَى الكبر . نَذِيراً لِّلْبَشَرِ . لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ } .

و { كلا } حرف زجر وردع وإبطال لكلام سابق . والواو فى قوله : { والقمر } للقسم والمقسم به ثلاثة أشياء : القمر والليل والصبح ، وجواب القسم قوله : { إِنَّهَا لإِحْدَى الكبر . . . }

أى : كلا ، ليس الأمر كما أنكر هؤلاء الكافرون ، من أن تكون عدة الملائكة الذين على سقر ، تسعة عشر ملكا ، أو من أن تكون سقر مصير هؤلاء الكافرين ، أو من أن فى قدرتهم مقاومة هؤلاء الملائكة .

كلا ، ليس الأمر كذلك ، وحق القمر الذى { قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حتى عَادَ كالعرجون القديم }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{كَلَّا وَٱلۡقَمَرِ} (32)

القول في تأويل قوله تعالى : { كَلاّ وَالْقَمَرِ * وَاللّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ * وَالصّبْحِ إِذَآ أَسْفَرَ * إِنّهَا لإِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيراً لّلْبَشَرِ * لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدّمَ أَوْ يَتَأَخّرَ } .

يعني تعالى ذكره بقوله كَلاّ : ليس القول كما يقول من زعم أنه يكفي أصحابَه المشركين خزنةُ جهنم حتى يجهضهم عنها ثم أقسم ربنا تعالى فقال : وَالقَمَرِ وَاللّيْل إذْ أدْبَرَ يقول : والليل إذ ولّى ذاهبا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَاللّيْل إذْ أدْبَرَ : إذ ولّى .

وقال آخرون في ذلك ما :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس : والليل إذْ أدْبَرَ دبوره : إظلامه .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة إذْ أدْبَرَ ، وبعض قرّاء مكة والكوفة : «إذا دَبَرَ » .

والصواب من القول في ذلك عندنا ، أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب .

وقد اختلف أهل العلم بكلام العرب في ذلك ، فقال بعض الكوفيين : هما لغتان ، يقال : دبر النهار وأدبر ، ودبر الصيف وأدبر قال : وكذلك قَبل وأقبل فإذا قالوا : أقبل الراكب وأدبر لم يقولوه إلا بالألف . وقال بعض البصريين : «واللّيْل إذَا دَبَرَ » يعني : إذا دبر النهار وكان في آخره قال : ويقال : دبرني : إذا جاء خلفي ، وأدبر : إذا ولّى .

والصواب من القول في ذلك عندي أنهما لغتان بمعنى ، وذلك أنه محكيّ عن العرب : قبح الله ما قَبِل منه وما دبر . وأخرى أن أهل التفسير لم يميزوا في تفسيرهم بين القراءتين ، وذلك دليل على أنهم فعلوا ذلك كذلك ، لأنهما بمعنى واحد .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{كَلَّا وَٱلۡقَمَرِ} (32)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

أقسم الرب من أجل سقر، فقال: {كلا والقمر}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يعني تعالى ذكره بقوله:"كَلاّ": ليس القول كما يقول من زعم أنه يكفي أصحابَه المشركين خزنة جهنم حتى يجهضهم عنها، ثم أقسم ربنا تعالى فقال: "وَالقَمَرِ".

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{كلا} قيل: حقا، هو على الردع والتنبيه.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

أي ارتدعوا عما أنتم عليه، وانتبهوا لغيرِه. وأقسم بهذه الأشياء {كَلاَّ وَالْقَمَرِ}: أي بالقمر، أو بقدرته على القمر.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{كلا} رد على الكافرين وأنواع الطاغين على الحق، ثم أقسم ب {القمر}، تخصيص تشريف وتنبيه على النظر في عجائبه وقدرة الله تعالى في حركاته المختلفة التي هي مع كثرتها واختلافها على نظام واحد لا يختل.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

قوله تعالى: {كلا} وفيه وجوه:

...

...

...

...

...

...

...

(وثالثها) أنه ردع لقول أبي جهل وأصحابه إنهم يقدرون على مقاومة خزنة النار.

(ورابعها) أنه ردع لهم عن الاستهزاء بالعدة المخصوصة.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان حصرها في الذكرى ربما أوهم نقصاً في أمرها يوجب لبعض المعاندين ريبة في عظمه وأنه لا حقيقة لها ولا عذاب فيها، قال رادعاً من ذلك ومنبهاً على الاستعداد والحذر بكلمة الردع والتنبيه: {كلا} أي إياك أن ترتاب في أهوالها وعظيم أمرها وأحوالها وأوجالها لأن الأمر أطم وأعظم مما يخطر بالبال، فليرتدع السامع ولينزجر. ولما حصر أمرها في الذكرى ونفى أن يظن بها نقص فيما جعلت له تأكيداً للكلام إشارة إلى ما لأغلب المخاطبين من الشكاسة والعوج إيقاظاً مما هم فيه من الغفلة وتلطيفاً لما لهم من اللوم والكثافة وتنبيهاً لهم على السعي في تقويم أنفسهم بما يستعملونه من الأدوية التي يرشدهم سبحانه إلى علاج أمراض القلوب بها، زاد الأمر تأكيداً فأقسم على ذلك بما هو ذكرى للناس ولا يظهر معه ظلام الليل كما أن ضياء القرآن لا يظهر معه ظلام الجهل من أعمل عين فكرته، وألقى حظوظ نفسه، فقال: {والقمر} أي الذي هو آية الليل الهادية لمن ضل بظلامه.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ويعقب على هذه الوقفة التقريرية لهذه الحقيقة من حقائق الغيب، ولمناهج التصور الهادية والمضللة.. يعقب على هذا بربط حقيقة الآخرة، وحقيقة سقر، وحقيقة جنود ربك، بظواهر الوجود المشهودة في هذا العالم، والتي يمر عليها البشر غافلين، وهي تشي بتقدير الإرادة الخالقة وتدبيرها، وتوحي بأن وراء هذا التقدير والتدبير قصدا وغاية، وحسابا وجزاء.

كلا والقمر. والليل إذ أدبر. والصبح إذا أسفر. إنها لأحدى الكبر. نذيرا للبشر..

ومشاهد القمر، والليل حين يدبر، والصبح حين يسفر.. مشاهد موحية بذاتها، تقول للقلب البشري أشياء كثيرة؛ وتهمس في أعماقه بأسرار كثيرة؛ وتستجيش في أغواره مشاعر كثيرة. والقرآن يلمس بهذه الإشارة السريعة مكامن هذه المشاعر والأسرار في القلوب التي يخاطبها، على خبرة بمداخلها ودروبها!

وقل أن يستيقظ قلب لمشهد القمر حين يطلع وحين يسري وحين يغيب.. ثم لا يعي عن القمر شيئا يهمس له به من أسرار هذا الوجود! وإن وقفة في نور القمر أحيانا لتغسل القلب كما لو كان يستحم بالنور!

وقل أن يستيقظ قلب لمشهد الليل عند إدباره، في تلك الهدأة التي تسبق الشروق، وعندما يبدأ هذا الوجود كله يفتح عينيه ويفيق.. ثم لا ينطبع فيه أثر من هذا المشهد وتدب في أعماقه خطرات رفافة وشفافة.

وقل أن يستيقظ قلب لمشهد الصبح عند إسفاره وظهوره، ثم لا تنبض فيه نابضة من إشراق وتفتح وانتقال شعوري من حال إلى حال، يجعله أشد ما يكون صلاحية لاستقبال النور الذي يشرق في الضمائر مع النور الذي يشرق في النواظر.

والله الذي خلق القلب البشري يعلم أن هذه المشاهد بذاتها تصنع فيه الأعاجيب في بعض الأحايين، وكأنها تخلقه من جديد.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{كلاّ} حرف ردع وإبطال. والغالب أن يقع بعد كلام من متكلم واحد أوْ من متكلم وسامعٍ مثل قوله تعالى: {قال أصحاب موسى إنا لمُدْرَكون قال كلا إن معي ربي سيهدين} [الشعراء: 61، 62] فيفيد الردع عما تضمنه الكلام المحكي قبله. ومنه قوله تعالى: {كلا سنكتب ما يقول} في سورة مريم (79)، ويجوز تقديمه على الكلام إذا أريد التعجيلُ بالردع والتشويقُ إلى سماع ما بعده، وهو هنا محتمل لأن يكون إبطالاً لما قبله من قولهم:"ماذا أراد الله بهذا مثلاً"، فيكون ما بينهما اعتراضاً ويكون قوله {والقمرِ} ابتداء كلام، فيحسن الوقف على {كلاّ}. ويحتمل أن يكون حرف إبطال مقدماً على الكلام الذي بعده من قوله: {إنها لإِحدى الكبر نذيراً للبشر} تقديم اهتمام لإِبطال ما يجيء بعده من مضمون قوله: {نذيراً للبشر}، أي من حقهم أن ينتذروا بها فلم ينتذر أكثرهم على نحو معنى قوله: {وأنَّى له الذكرى} [الفجر: 23] فيحسن أن توصل في القراءة بما بعدها.

وهذه ثلاثة أيمان لزيادة التأكيد فإن التأكيد اللفظي إذا أكد بالتكرار يكرر ثلاث مرات غالباً، أقسم بمخلوق عظيم، وبحالين عظيمين من آثار قدرة الله تعالى.

ومناسبة القَسَم ب {القمر} و {الليل إذ أدبر} و {الصبحُ إذا أسفر} أن هذه الثلاثة تظهر بها أنوار في خلال الظلام فناسبت حالي الهدى والضلال من قوله: {كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء} [المدثر: 31] ومن قوله: {وما هي إلاّ ذكرى للبشر} [المدثر: 31] ففي هذا القسَم تلويح إلى تمثيل حال الفريقين من الناس عند نزول القرآن بحال اختراق النور في الظلمة.