المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَآۗ أَلَا بُعۡدٗا لِّمَدۡيَنَ كَمَا بَعِدَتۡ ثَمُودُ} (95)

95- وانتهي أمرهم وزالت آثارهم ، كأنهم لم يقيموا في ديارهم ، ونطق حالهم بما يجب أن يتنبه له ويعتبر به كل عاقل ، ألا هلاكاً لمدْين ، وبُعداً من رحمة الله كما بَعدت ثمود من قبلهم{[98]} .


[98]:انظر التعليق العلمي على الآيتين: 84، 85 من هذه السورة.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَآۗ أَلَا بُعۡدٗا لِّمَدۡيَنَ كَمَا بَعِدَتۡ ثَمُودُ} (95)

{ كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ } أى : كأن هؤلاء الهلكى من قوم شعيب ، لم يعيشوا فى ديارهم قبل ذلك عيشة ملؤها الرغد والرخاء والأمان . . .

يقال : غنى فلان بالمكان ، إذا أقام به وعاش فيه ف نعمة ورغد . . .

{ أَلاَ بُعْداً لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ } أى : ألا هلاكا مصحوبا بالخزى واللعنة والطرد من رحمة الله لقبيلة مدين ، كما هلكت من قبلهم قبيلة ثمود .

وهكذا طويت صفحة أخرى من صفات الظالمين وهم قوم شعيب . . عليهم السلام - كما طويت من قبلهم صفحات قوم نوح وهود وصالح ولوط - عليه السلام- .

هذا ، ومن أهم العبر والعظات التى تتجلى واضحة فى قصة شعيب مع قومه كما جاءت فى هذه السورة الكريمة :

أن الداعى إلى الله لكى ينجح فى دعوته ، عليه أن ينوع خطابه للمدعوين ، بحيث يشتمل توجيهه على الترغيب والترهيب ، وعلى الأسباب وما تؤدى إليه من نتائج ، وعلى ما يقنع العقل ويقنع العاطفة . . .

ففى هذه القصة نجد شعيبا - عليه السلام - يبدأ دعوته بأمر قومه بعبادة الله - تعالى - ، ثم ينهاهم عن أبرز الرذائل التى كانت منتشرة وهى نقص المكيال والميزان ، ثم يبين لهم الأسباب التى حملته على ذلك : { إني أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وإني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ } .

ثم ينهاهم نهيا عاما عن الإِفساد فى الأرض { وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرض مُفْسِدِينَ } .

ثم يرشدهم إلى أن الرزق الحلال مع الإِيمان والاستقامة ، خير لهم من التشبع بزينة الحياة الدنيا بدون تمييز بين ما هو صالح وما هو طالح : وبقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين . .

ثم يذكرهم بأنه لا يأمرهم إلا بما يأمر به نفسه ، ولا ينهاهم إلا عما ينهاها عنه وأنه ليس ممن يقولون بأفواههم ما ليس فى قلوبهم { وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلى مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإصلاح مَا استطعت . . . } .

ثم يذكرهم بمصارع السابقين ، ويحذرهم من أن يسلكوا مسلكهم ، لأنهم لو فعلوا ذلك لهلكوا كما هلك الذين من قبلهم : { وياقوم لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شقاقي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ . . . } .

ثم يفتح لهم باب الأمل فى عفو الله عنهم متى استغفروه وتابوا إليه : { واستغفروا رَبَّكُمْ ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ }

ثم تراه يثور عليهم عندما يراهم يتجاوزون حدودهم بالنسبة لله - تعالى - وللحق الذى جاءهم به من عنده - سبحانه - : { أرهطي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ الله واتخذتموه وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ . وياقوم اعملوا على مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ . . . } .

وهكذا نجد شعيبا - عليه السلام - وهو خطيب الأنبياء كما وصفه الرسول - صلى الله عليه وسلم - يرشد قومه إلى ما يصلحهم ويسعدهم بأسلوب حكيم ، جامع لكل ألوان التأثير ، والتوجيه السديد .

وليت الدعاة إلى الله فى كل زمان ومكان يتعلمون من قصة شعيب . . عليه السلام - مع قومه أسلوب الدعوة إلى الله - تعالى .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَآۗ أَلَا بُعۡدٗا لِّمَدۡيَنَ كَمَا بَعِدَتۡ ثَمُودُ} (95)

القول في تأويل قوله تعالى : { كَأَن لّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ أَلاَ بُعْداً لّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ } .

يقول تعالى ذكره : كأن لم يعش قوم شعيب الذين أهلكهم الله بعذابه ، حين أصبحوا جاثمين في ديارهم ، قبل ذلك . و{ لم يغنوا } ، من قولهم : غنيت بمكان كذا : إذا أقمت به ، ومنه قول النابغة :

غَنِيَتْ بذلكَ إذْ هُمُ لي جِيرَةٌ *** مِنْها بعَطْفِ رِسالَةٍ وتَوَدّدِ

وكما حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { كأنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها } ، قال : يقول : كأن لم يعيشوا فيها .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة مثله .

وقوله : { ألا بُعْدا لِمَدْيَنَ كمَا بَعِدَتْ ثُمودُ } ، يقول تعالى ذكره : ألا أبعد الله مدين من رحمته بإحلال نقمته ، { كما بعدت ثمود } ، يقول : كما بعدت من قبلهم ثمود من رحمته بإنزال سخطه بهم .