قوله جل ذكره : { وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ } .
والذارياتُ : أي الرياح الحاملات { وِقْراً } أي السحاب { فَالْجَارِياتِ } أي السفن . { فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً } أي الملائكة . . . أقسم بربِّ هذه الأشياء وبقدرته عليها . وجواب القسم : { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ . . . } والإشارة في هذه الأشياء أن من جملة الرياح . الرياح الصيحية تحمل أنينَ المشتاقين إلى ساحات العزَّةِ فيأتي نسيمُ القربةِ إلى مَشَامِّ أسرارِ أهل المحبة . . . فعندئذٍ يجدون راحةً من غَلَبَات اللوعة ، وفي معناه أنشدوا :
وإني لأستهدي الرياحَ نسيمكم *** إذا أقبلَتْ من أرضكم بهبوب
وأسألُها حمْلَ السلام إليكمو *** فإنْ هي يوماً بَلَّغتْ . . فأجيبي
ومن السحاب ما يُمطر بعتاب الغيبة ، ويُؤْذن بهواجم النَّوى والفُرْقة . فإذا عَنَّ لهم من ذلك شيء أبصروا ذلك بنور بصائرهم ، فيأخذون في الابتهال ، والتضرُّع في السؤال استعاذةً منها . . . كما قالوا :
أقول- وقد رأيتُ لها سحاباً *** من الهجران مقبلة إلينا
وقد سحَّت عزاليها بِبَيْنٍ *** حوالينا الصدودُ ولا علينا
وكما قد يَحْملُ الملاَّحُ بعضَ الفقراء بلا أجرة طمعاً في سلامة السفينة - فهؤلاء يرْجُون أن يُحمَلُوا في فُلْكِ العناية في بحار القدرة عند تلاطم الأمواج حول السفينة . ومِنَ الملائكةِ مَنْ يتنزَّلُ لتفقد أهل الوصلة ، أو لتعزية أهل المصيبة ، أو لأنواعٍ من الأمور تتصل بأهل هذه القصة ، فهؤلاء القوم يسألونهم عن أحوالهم : هل عندهم خيرٌ عن فراقهم ووصالهم - كما قالوا :
بربِّكما يا صاحبيَّ قِفَا بيا *** أسائلكم عن حالهم وآسألانيا
{ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ } : الحقُّ - سبحانه- وَعَدَ المطيعين بالجنة ، والتائبين بالرحمة ، والأولياءَ بالقربة ، والعارفين بالوصلة ، ووَعَدَ أرباب المصائب بقوله : { أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ } [ البقرة : 156 ، 157 ] ، وهم يتصدون لاستبطاء حُسْنِ الميعاد - واللَّهُ رؤوفٌ بالعباد .
وقوله تعالى شأنه : { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لصادق وَإِنَّ الدين لَوَاقِعٌ } جواب للقسم ، و { مَا } موصولة والعائد محذوف أي إن الذي توعدونه ، أو توعدون به ، ويحتمل أن تكون مصدرية أي إن وعدكم ، أو وعيدكم إذ توعدون يحتمل أن يكون مضارع وعد ، وأن يكون مضارع أوعد ، ولعل الثاني أنسب لقوله تعالى : { فَذَكّرْ بالقرءان مَن يَخَافُ وَعِيدِ } [ ق : 45 ] ولأن المقصود التخويف والتهويل ، وعن مجاهد أن الآية في الكفار وهو يؤيد الوعيد ومعنى صدقه تحقق وقوعه ، وفي «الكشاف » وعد صادق كعيشة راضية و { الدين } الجزاء ووقوعه حصوله ، والأكثرون على أن الموعود هو البعث ، وفي تخصيص المذكورات بالإقسام بها رمز إلى شهادتها بتحقق الجملة المقسم عليها من حيث أنها أمور بديعة فمن قدر عليها فهو قادر على تحقيق البعث الموعود .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وإن الدين لواقع} يعني إن الحساب لكائن...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"وَإنّ الدّينَ لَوَاقِعٌ" يقول: وإن الحساب والثواب والعقاب لواجب، والله مجازٍ عباده بأعمالهم.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
والدين: الجزاء. والواقع: الحاصل...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
الحساب، والأظهر في الآية أنها للكفار وأنها وعيد محض بيوم القيامة...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{وإن الدين} أي المجازاة لكل أحد بما كسب يوم البعث، والشرع الذي أرسلت به هذا النبي الكريم {لواقع} لا بد منه وإن أنكرتم ذلك، فيظهر دينه على الدين كله كما وعد بذلك، ثم نقيم الناس كلهم للحساب... والدين: الجزاء، أي أنهم سيجازون على ما كان منهم ويوفون قسط أعمالهم...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
ومعنى {لواقع} واقع في المستقبل بقرينة جعله مرتباً في الذكر على ما يوعدون وإنما يكون حصول الموعود به في الزمن المستقبل وفي ذكر الجزاء زيادة على الكناية به عن إثبات البعث تعريض بالوعيد على إنكار البعث.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{وَإِنَّ الدّينَ لَوَاقِعٌ} وهو الجزاء بالإحسان لمن عمل إحساناً وبالسوء لمن عاش حياة السوء. وفي ضوء ذلك، لا بد لهم من الالتفات إلى ذلك، والاستعداد له، ليبتعدوا عن مواقع الهلاك في المصير...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.