فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة ، فتبع هذه النفخة تلك الحركة الهائلة : ( وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة ) . . ومشهد حمل الأرض والجبال ونفضها ودكها دكة واحدة تسوي عاليها بسافلها . . مشهد مروع حقا . هذه الأرض التي يجوس الإنسان خلالها آمنا مطمئنا ، وهي تحته مستقرة مطمئنة . وهذه الجبال الراسية الوطيدة الراسخة التي تهول الإنسان بروعتها واستقرارها . . هذه مع هذه تحمل فتدك كالكرة في يد الوليد . . إنه مشهد يشعر معه الإنسان بضآلته وضآلة عالمه إلى جانب هذه القدرة القادرة ، في ذلك اليوم العظيم . .
{ وَحُمِلَتِ الأرض والجبال } رفعتا من أحيازهما بمجرد القدرة الإلهية من غير واسطة مخلوق أو بتوسط نحو ريح أو ملك قيل أو بتوسط الزلزلة أي بأن يكون لها مدخل في الرفع لا أنها رافعة لهما حاملة إياهما ليقال إنها ليس فيها حمل وإنما هي اضطراب وقيل يجوز أن يخلق الله تعالى من الأجرام العلوية ما فيه قوة جذب الجبال ورفعها عن أماكنها أو أن يكون في الأجرام الموجودة اليوم ما فيه قوة ذلك إلا أن في البين مانعاً من الجذب والرفع وأنه يزول بعد فيحصل الرفع وكذا يجوز أن يعتبر مثل ذلك بالنسبة إلى الأرض وأن تكون قوتا الجاذبين مختلفتين فإذا حصل رفع كل إلى غاية يريدها الله تعالى حدث في ذلك الجاذب ما لم يبق معه ذلك الجذب من زوال مسامته ونحوه وحصل بين الجبال والأرض ما يوجب التصادم ويجوز أيضاً أن يحدث في الأرض من القوى ما يوجب قذفها للجبال ويحدث للأرض نفسها ما يوجب رفعها عن حيزها وكون القوى منها ما هو متنافر ومنها ما هو متحاب مما لا يكاد ينكر وقيل يمكن أن يكون رفعهما بمصادمة بعض الأجرام كذوات الأذناب على ما قيل فيها جديداً للأرض فتنفصل الجبال وترتفع من شدة المصادمة ورفع الأرض من حيزها ولا يخفي أن كل هذا على ما فيه لا يحتاج إليه ويكفينا القول بأن الرفع بالقدرة الإلهية التي لا يتعاصاها شيء وقرأ ابن أبي عبلة وابن مقسم والأعمش وابن عامر في رواية يحيى وحملت بتشديد الميم وحمل على التكثير وجوز أن يكون تضعيفاً للنقل فيكون الأرض والجبال المفعول الأول أقيم مقام الفاعل والمفعول الثاني محذوف أي قدرة أو ريحاً أو ملائكة أو يكون المفعول الثاني أقيم مقام الفاعل والأول محذوف وهو أحد المذكورات { فَدُكَّتَا دَكَّةً واحدة } فضربت الجملتان إثر رفعهما بعضها ببعض ضربة واحدة حتى تفتت وترجع كما قال سبحانه { كثيباً مهيلاً } [ المزمل : 14 ] وقيل تتفرق أجزاؤها كما قال سبحانه { هباء منبثاً } [ الواقعة : 6 ] وفرقوا بين الدك والدق بان في الأول تفرق الأجزاء وفي الثاني اختلافها وقال بعض الأجلة أصل الدك الضرب على ما ارتفع لينخفض ويلزمه التسوية غالباً فلذا شاع فيها حتى صار حقيقة ومنه أرض دكاء للمتسعة المستوية وبعيراً دك وناقة دكاء إذا ضعفا فلم يرتفع سناماهما واستوت خدجتهما مع ظهريهما فالمراد ههنا فبسطتا بسطة واحدة وسويتا فصارتا أرضاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً ولعل التفتت مقدمة للتسوية أيضاً وقال الراغب الدك الأرض اللينة السهلة وقوله تعالى فدكتا أي جعلتا بمنزلة الأرض اللينة وهذا أيضاً يرجع إلى التسوية كما لا يخفي وحكى في «مجمع البيان » أنهما إذا دكتا تتفتت الجبال وتنسفها الريح وتبقى الأرض مستوية وثنى الضمير لإرادة الجملتين كما أشرنا إليه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وحملت الأرض} يقول: حمل ما على الأرض من ماء، أو شجر أو شيء {و} حملت {والجبال} من أماكنها فضربت على الأرض {فدكتا دكة واحدة} يعني فكسرتا كسرة واحدة، فاستوت بما عليها مثل الأديم الممدود...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"وحُمِلَتِ الأرْضُ والجِبالُ فَدُكّتا دَكّةً وَاحِدَةً": فزلزلتا زلزلة واحدة.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قيل: هدمتا هدمة واحدة، فكأنه يقول، والله أعلم: تتزلزل الأرض، فتقذف ما في بطنها من الغسول، وتخرج ما فيها من الجواهر التي ليست منها بتلك الدكة [وتخرج] أصول الجبال منها، ثم يجعله الله تعالى {كئيبا مهيلا} [المزمل: 14]، ثم يعمل عليه الريح، فيجعله {هباء منثورا} [الفرقان 23] ويريه من لينه {وتكون الجبال كالعهن} [المعارج: 9 والقارعة: 5] ثم يسير مثل السحاب، فيقع في شعاب الأرض والأودية والأماكن المختلفة، فتصير الأرض كما قال تعالى: {فيذرها قاعا صفصفا} {لا ترى فيها عوجا ولا أمتا} [طه: 106و 107].
وهكذا الريح إذا عملت على شيء [تقع عليه] تفرقه في النواحي، وتسوي بين الشقوق، وتبسطه على وجه الأرض.
وقوله عز وجل {وحملت الأرض} ليس أنها تحمل من مكان، ولكن تدخل هذه في هذه، وتضرب على هذه بالدكة، فتصير كأنها حملت لذلك.
وإذا كان كذلك فقد وقعت الواقعة يومئذ. وهذا على اختلاف الأوقات ليكون معنى الآيات التي جاءت في الجبال على السواء، والله أعلم.
وقيل في آيات أخر بيان آخر: بيان تقديم فناء الجبال قبل الأرض بقوله: {ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا} {فيذرها قاعا صفصفا} [طه: 105و 106] أي يذر الأرض قاعا صفصفا وغيره من الآيات مما يدل على تقديم فناء الجبال قبلها.
فأما أن يكون معنى تبديل الأرض تغييرها عن الحالة التي هي عليها اليوم من انهدام البنيان واستواء الأودية وإزالة الجبال على ما جاء في الأخبار، فسمي لذلك تبديلا كما يقال لمن تغير عن الحالة الحسنة إلى غيرها: تبدلت، يراد أي تغيرت عن حالتك.
فعلى ذلك معنى الآية، أي تتكسر الجبال وتتغير حالة الأرض في دفعة واحدة، أو يكون في الآية إخبار عن شدة الفزع في ذلك اليوم: أن بدكة واحدة تفنى الجبال، وإن كان إفناء الجبال قبل إفناء الأرض، ليس أنهما تفنيان جميعا بدفعة واحدة لكن بالدكة الواحدة تهلك الجبال والأرض، فيكون المراد بيان شدة اليوم وهوله لا بيان ترتيب فناء الأرض البعض على البعض، والله أعلم.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
معناه بسطتا بسطة واحدة، ومنه الدكان، ويقال: اندك سنام البعير إذا انفرش في ظهره.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما ذكر التأثير في الأحياء، أتبعه التأثير في الجمادات، وبدأ بالسفليات لملابستها للإنسان فتكون عبرته بها أكثر فقال: {وحملت} أي بمجرد القدرة {الأرض} أي المنبسطة ورجت رجاً {والجبال} أي التي بها ثباتها فرفعت من أماكنها، وبستا بساً فكانت هباء منبثاً، لم يبق فيهما حجر ولا كدية. ولما أريد قوة الدك والإبلاغ في تأثيره، جعل الجبال شيئاً واحداً فقال: {فدكتا} أي مسحت الجملتان الأرض و أوتادها وبسطتا ودق بعضها ببعض {دكة واحدة} أي فصارتا كثيباً مهيلاً وسويتا بأيسر أمر فلم يميز شيء منهما من الآخر، بل صارا في غاية الاستواء.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة، فتبع هذه النفخة تلك الحركة الهائلة: (وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة).. ومشهد حمل الأرض والجبال ونفضها ودكها دكة واحدة تسوي عاليها بسافلها.. مشهد مروع حقا. هذه الأرض التي يجوس الإنسان خلالها آمنا مطمئنا، وهي تحته مستقرة مطمئنة. وهذه الجبال الراسية الوطيدة الراسخة التي تهول الإنسان بروعتها واستقرارها.. هذه مع هذه تحمل فتدك كالكرة في يد الوليد.. إنه مشهد يشعر معه الإنسان بضآلته وضآلة عالمه إلى جانب هذه القدرة القادرة، في ذلك اليوم العظيم..
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
(وحملت الأرض والجبال فدكتّا دكة واحدة). «دكّ» كما يقول الراغب في المفردات، وفي الأصل بمعنى (الأرض المستوية) ولأنّ الأرض غير المستوية تحتاج إلى الدك حتّى تستوي، لذا استعمل هذا المصطلح في الكثير من الموارد بمعنى «الدق الشديد». كما يستفاد من مصادر اللغة أنّ أصل معنى (دك) هو (الدقّ والتخريب) ولازم ذلك الاستواء، لذا استعمل هذا المصطلح في هذا المعنى أيضاً. وعلى كلّ حال فإنّ المقصود من هذه الكلمة في الآية مورد البحث هو الدقّ الشديد للجبال والأراضي اللامستوية بعضها ببعض بحيث تستوي وتتلاشى فيها جميع التعرجات.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.