وقوله تعالى : { ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ } قيل تكرير لما قبله من الردع والوعيد للمبالغة وثم للتفاوت في الرتبة فكأنه قيل لهم يوم القيامة ردع وعذاب شديدان بل لهم يومئذ أشد وأشد وبهذا الاعتبار صار كأنه مغاير لما قبله فعطف عليه وابن مالك يقول في مثله إنه من التوكيد اللفظي وإن توسط حرف العطف فلا نغفل وقيل الأول إشارة إلى ما يكون عند النزع وخروج الروح من زجر ملائكة الموت عليهم السلام وملاقاة كربات الموت وشدائده وانكشاف الغطاء والثاني إشارة إلى ما يكون في القيامة من زجر ملائكة العذاب عليهم السلام وملاقاة شديدة العقاب ف { ثُمَّ } في محلها لما بينهما من البعد الزماني ولا تكرار فيه والظاهر أن العطف على هذا وما قبله على مجموع كلا سيعلمون وتوهم بعضهم من كلام بعض الأجلة أن العطف على سيعلمون وأورد عليه أن ثم إذا كانت للتراخي الزماني يلزم الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بأجنبي بخلاف ما إذا كانت للتراخي الرتبي ووجه لدفع التخصيص بلا مخصص أنه على الثاني يفهم تفاوت الرتبة بين الردعين كتفاوتها بين الوعيدين لتبعية الردع للوعيد فلا تكون { كَلاَّ } الثانية أجنبية بخلاف الأول فإن التراخي إنما يتحقق فيما يتحقق فيه الزمان وليس هو إلا سيعلمون دون كلا فتكون هي أجنبية ثم قال ذلك المتوهم ولا يبعد أن يقال الردع الأول عن التساؤل والثاني عن الانكار أي الصريح وتفاوت ما بينهما يقتضي العطف بثم والكل كما ترى وقيل متعلق العلم في الأول البعث وفي الثاني الجزاء على إنكار وثم في محلها أي كلا سيعلمون حقية البعث إذا بعثوا { ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ } الجزاء على إنكاره إذا دخلوا النار وعوقبوا وجوز أن يكون المعلق مختلفاً وثم للتراخي الرتبي بأن يكون المعنى سيعلم الكفار أحوالهم ثم سيعلمون أحوال المؤمنين والأول إشارة إلى العذاب الجسماني والثاني إلى العذاب الروحاني الذي هو أشد وأخزى وأن يكون فاعل سيعلم في الموضعين مختلفاً بناء على أن ضمير { يَتَسَاءلُونَ } للناس عامة وثم لذلك أيضاً بأن يكون المعنى سيعلم المؤمنون عاقبة تصديقهم ثم سيعلم الكفار عاقبة تكذيبهم فيكون الأول وعداً للمؤمنين والآخر وعيداً للكافرين وهما متفاوتان رتبة ولا يخفي عليك ما في ذلك وقرأ مالك بن دينار وابن مقسم والحسن وابن عامر ستعلمون في الموضعين بالتاء الفوقية على نهج الالتفات إلى الخطاب الموافق لما بعده من الخطابات تشديد للردع والوعيد لا على تقدير قل لهم كلا ستعلمون الخ فإنه ليس بذاك وإن كان فيه نوع حسن على تقدير كون المراد يسألون النبي صلى الله عليه وسلم وعن الضحاك أنه قرأ الأول بتاء الخطاب والثاني بياء الغيبة .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"كَلاّ "يقول تعالى ذكره: ما الأمر كما يزعم هؤلاء المشركون الذين ينكرون بعث الله إياهم أحياء بعد مماتهم، وتوعدهم جلّ ثناؤه على هذا القول منهم، فقال: "سَيَعْلَمُونَ" يقول: سيعلم هؤلاء الكفار المُنكرون وعيد الله أعداءه، ما الله فاعل بهم يوم القيامة، ثم أكد الوعيد بتكرير آخر، فقال: ما الأمر كما يزعمون من أن الله غير محييهم بعد مماتهم، ولا معاقبهم على كفرهم به، سيعلمون أن القول غير ما قالوا إذا لقُوا الله، وأفضوا إلى ما قدّموا من سيئ أعمالهم.
... وأما تكرير الردع، ففيه وجهان؛
(الأول): أن الغرض من التكرير التأكيد والتشديد، ومعنى ثم الإشعار بأن الوعيد الثاني أبلغ من الوعيد الأول وأشد.
(والثاني): أن ذلك ليس بتكرير، ثم ذكروا وجوها؛
(أحدها): قال الضحاك الآية الأولى للكفار والثانية للمؤمنين أي سيعلم الكفار عاقبة تكذيبهم وسيعلم المؤمنون عاقبة تصديقهم.
(وثانيها) قال القاضي: ويحتمل أن يريد بالأول سيعلمون نفس الحشر والمحاسبة، ويريد بالثاني سيعلمون نفس العذاب إذا شاهدوه.
وثالثها: {كلا سيعلمون} ما الله فاعل بهم يوم القيامة {ثم كلا سيعلمون} أن الأمر ليس كما كانوا يتوهمون من أن الله غير باعث لهم.
(ورابعها): {كلا سيعلمون} ما يصل إليهم من العذاب في الدنيا، وكما جرى على كفار قريش يوم بدر {ثم كلا سيعلمون} بما ينالهم في الآخرة.
المسألة الثالثة: جمهور القراء قرأوا بالياء المنقطة من تحت في (سيعلمون) وروي بالتاء المنقطة من فوق عن ابن عامر. قال الواحدي: والأول أولى، لأن ما تقدم من قوله: {هم فيه مختلفون} على لفظ الغيبة، والتاء على قل لهم: ستعلمون، وأقول: يمكن أن يكون ذلك على سبيل الالتفات، وهو ههنا متمكن حسن، كمن يقول: إن عبدي يقول كذا وكذا، ثم يقول لعبده: إنك ستعرف وبال هذا الكلام.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
ارتقاء في الوعيد والتهديد فإن {ثم} لما عَطفتَ الجملة فهي للترتيب الرتبي، وهو أن مدلول الجملة التي بعدها أرقى رتبة في الغرض من مضمون الجملة التي قبلها، ولما كانت الجملة التي بعد {ثم} مثل الجملة التي قبل {ثم} تعيّن أن يكون مضمون الجملة التي بعد {ثم} أرقى درجة من مضمون نظيرها. ومعنى ارتقاء الرتبة أن مضمون ما بعد {ثم} أقوى من مضمون الجملة التي قبل {ثم}، وهذا المضمون هو الوعيد، فلما استفيد تحقيق وقوع المتوعد به بما أفاده التوكيد اللفظي إذ الجملة التي بعد {ثم} أكدت الجملة التي قبلها تعيّن انصراف معنى ارتقاء رتبة معنى الجملة الثانية هو أن المتوعد به الثاني أعظم مما يحسبون.
وضمير {سيعلمون} في الموضعين يجري على نحو ما تقدم في ضمير {يتساءلون} [النبأ: 1] وضمير {فيه مختلفون} [النبأ: 3].
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{ثمّ كلاّ سيعْلَمُون} فنحن نرفض هذا الأسلوب الذي يثير الشكّ حول الحقائق من منطلق الاستبعاد، كما لو كانت القدرة الإلهية التي تتعلّق به أمراً يثير الشكّ ويقبل الرّيب.. إننا نرفض طريقتهم التضليلية بشدّة.
ويبقى الغموض في تفاصيل النّبأ العظيم، لكنّه ليس الغموض الذي يثير العجب في جعله مورداً للسؤال، لأنه معلومٌ لكلّ أحد، حتى أنه لا يحتاج أحدٌ إلى ذكره.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.