في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا ٱلۡفَتۡحُ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (28)

وفي النهاية يجيء المقطع الأخير في السورة بعد هذا المطاف الطويل . فيحكي استعجالهم بالعذاب الذي يوعدون ؛ وشكهم في صدق الإنذار والتحذير . ويرد عليهم مخوفا محذرا من تحقيق ما يستعجلون به ، يوم لا ينفعهم إيمان ، ولا يمهلون لإصلاح ما فات . ويختم السورة بتوجيه الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] إلى الإعراض عنهم ، وتركهم لمصيرهم المحتوم :

( ويقولون : متى هذا الفتح إن كنتم صادقين . قل : يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون . فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون ) . .

والفتح هو الفصل فيما بين الفريقين من خلاف ؛ وتحقق الوعيد الذي كان يخدعهم أنه لا يجيئهم من قريب ؛ وهم غافلون عن حكمة الله في تأخيره إلى أجله الذي قدره ، والذي لا يقدمه استعجالهم ولا يؤخره . وما هم بقادرين على دفعه ولا الإفلات منه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا ٱلۡفَتۡحُ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (28)

ثم حكى عن الكفرة أنهم يستفتحون ويستعجلون فصل القضاء بينهم وبين الرسول على معنى الهزء والتكذيب ، و { الفتح } الحكم هذا قول جماعة من المفسرين ، وهذا أقوى الأقوال ، وقالت فرقة الإشارة إلى فتح مكة .

قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف يرده الإخبار بأن الكفرة لا ينفعهم الإيمان ، فلم يبق إلا أن يكون { الفتح } إلا إما حكم الآخرة ، وهذا قول مجاهد ، وإما فصل{[9439]} في الدنيا كبدر ونحوها .


[9439]:أي الفصل الذي يستعجلونه بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا ٱلۡفَتۡحُ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (28)

يجوز أن يكون عطفاً على جملة { ثم أعرض عنها } [ السجدة : 22 ] ، أي : أعرضوا عن سماع الآيات والتدبر فيها وتجاوزوا ذلك إلى التكذيب والتهكم بها . f ومناسبة ذكر ذلك هنا أنه وقع عقب الإشارة إلى دليل وقوع البعث وهو يوم الفصل . ويجوز أن يعطف على جملة { وقالوا أإذا ضَلَلْنا في الأرض إنّا لفي خلق جديد } [ السجدة : 10 ] .

والمعنى : أنهم كذبوا بالبعث وما معه من الوعيد في الآخرة وكذّبوا بوعيد عذاب الدنيا الذي منه قوله تعالى : { ولنُذِيقَنَّهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر } [ السجدة : 21 ] .

و { الفتح : النصر والقضاء . والمراد به : نصر أهل الإيمان بظهور فوزهم وخيبة أعدائهم فإن خيبة العدوّ نصر لضِده وكان المسلمون يتحدّون المشركين بأن الله سيفتح بينهم وينصرهم وتظهر حجتهم ، فكان الكافرون يكررون التهكم بالمسلمين بالسؤال عن وقت هذا الفتح استفهاماً مستعملاً في التكذيب حيث لم يحصل المستفهم عنه . وحكاية قولهم بصيغة المضارع لإفادة التعجيب منه كقوله تعالى : { يجادلنا في قوم لوط } [ هود : 74 ] مع إفادة تكرر ذلك منهم واتخاذهم إياه . والمعنى : إن كنتم صادقين في أنه واقع فبينوا لنا وقته فإنكم إذ علمتم به دون غيركم فلتعلموا وقته . وهذا من السفسطة الباطلة لأن العلم بالشيء إجمالاً لا يقتضي العلم بتفصيل أحواله حتى ينسب الذي لا يعلم تفصيله إلى الكذب في إجماله .

واسم الإشارة في { هذا الفتح } مع إمكان الاستغناء عنه بذكر مبينهِ مقصود منه التحقير وقلة الاكتراث به كما في قول قيس بن الخطيم :

متى يأت هذا الموتُ لا يلف حاجة *** لنفسي إلا قَدْ قضيت قضاءها

إنباء بقلة اكتراثه بالموت ومنه قوله تعالى حكاية عنهم : { أهذا الذي يذكر ءالهتكم } [ الأنبياء : 36 ] .