وهو هماز . . يهمز الناس ويعيبهم بالقول والإشارة في حضورهم أو في غيبتهم سواء . وخلق الهمز يكرهه الإسلام أشد الكراهية ؛ فهو يخالف المروءة ، ويخالف أدب النفس ، ويخالف الأدب في معاملة الناس وحفظ كراماتهم صغروا أم كبروا . وقد تكرر ذم هذا الخلق في القرآن في غير موضع ؛ فقال : ( ويل لكل همزة لمزة ) . . وقال : ( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن . ولا تلمزوا أنفسكم . ولا تنابزوا بالألقاب )وكلها أنواع من الهمز في صورة من الصور . .
وهو مشاء بنميم . يمشي بين الناس بما يفسد قلوبهم ، ويقطع صلاتهم ، ويذهب بموداتهم . وهو خلق ذميم كما أنه خلق مهين ، لا يتصف به ولا يقدم عليه إنسان يحترم نفسه أو يرجو لنفسه احتراما عند الآخرين . حتى أولئك الذين يفتحون آذانهم للنمام ، ناقل الكلام ، المشاء بالسوء بين الأوداء . حتى هؤلاء الذين يفتحون آذانهم له لا يحترمونه في قرارة نفوسهم ولا يودونه .
ولقد كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ينهى أن ينقل إليه أحد ما يغير قلبه على صاحب من أصحابه . وكان يقول : " لا يبلغني أحد عن أحد من أصحابي شيئا فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر " .
وثبت في الصحيحين من حديث مجاهد عن طاووس عن ابن عباس قال : مر رسول الله - صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم - بقبرين ، فقال : " إنهما ليعذبان ، وما يعذبان في كبير . أما أحدهما فكان لا يستتر من البول ، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة " .
وروى الإمام أحمد - بإسناده - عن حذيفة قال : سمعت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقول : " لا يدخل الجنة قتات " أي نمام [ ورواه الجماعة إلا ابن ماجه ] .
وروى الإمام أحمد كذلك - بإسناده - عن يزيد بن السكن . أن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قال : " ألا أخبركم بخياركم ? " قالوا : بلى يا رسول الله . قال : " الذين إذا رؤوا ذكر الله عز وجل " ثم قال : " ألا أخبركم بشراركم ? المشاءون بالنميمة المفسدون بين الأحبة ، الباغون للبرآء العيب " .
ولم يكن بد للإسلام أن يشدد في النهي عن هذا الخلق الذميم الوضيع ، الذي يفسد القلب ، كما يفسد الصحب ، ويتدنى بالقائل قبل أن يفسد بين الجماعة ، ويأكل قلبه وخلقه قبل أن يأكل سلامة المجتمع ، ويفقد الناس الثقة بعضهم ببعض ، ويجني على الأبرياء في معظم الأحايين !
الهمّاز كثير الهمزة . وأصل الهمز : الطعن بعود أو يد ، وأطلق على الأذى بالقول في الغيبة على وجه الاستعارة وشاع ذلك حتى صار كالحقيقة وفي التنزيل { ويل لكلّ هُمَزَة } [ الهمزة : 1 ] .
وصيغة المبالغة راجعة إلى قوة الصفة ، فإذا كان أذى شديداً فصاحبه { همّاز } وإذا تكرر الأذى فصاحبه { همّاز } .
المشَاء بالنميم : الذي يَنِمّ بين الناس ، ووصفه بالمشّاء للمبالغة . والقول في هذه المبالغة مثل القول في { هَمَّازهَمَّازٍ مَّشَّآءِ } وهذه رَابعَة المذامّ .
والمشي : استعارة لتشويه حاله بأنه يتجشم المشقة لأجل النميمة مثل ذِكر السعي في قوله تعالى : { ويسعَوْن في الأرض فساداً } [ المائدة : 64 ] ، ذلك أن أسماء الأشياء المحسوسة أشدّ وقعاً في تصوّر السامع من أسماء المعقولات ، فذِكر المشي بالنميمة فيه تصوير لحال النمّام ، ألا ترى أن قولك : قُطِع رأسُه أوقعُ في النفس من قولك : قُتِل ، ويدل لذلك أنه وقع مثله في قول النبي صلى الله عليه وسلم « وأمَّا الآخَرُ فكان يمشي بالنميمة »
والنميم : اسم مرادف للنميمة ، وقيل : النميم جمع نميمة ، أي اسمُ جمع لنميمة إذا أريد بها الواحدة وصيرورتُها اسماً .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{مشاء بنميم} كان يمشي بالنميمة...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"هَمّازٍ " يعني: مغتاب للناس يأكل لحومهم...
والهمز أصله الغمز، فقيل للمغتاب: هماز، لأنه يطعن في أعراض الناس بما يكرهون، وذلك غمز عليهم...
"مَشّاءٍ بِنَمِيمٍ" يقول: مشاء بحديث الناس بعضهم في بعض، ينقل حديث بعضهم إلى بعض...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
والمشاء بالنميم هو الذي يسعى في الفرقة بين الإخوان، ويقوم في ما بينهم بالقطيعة.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
والهماز: الذي يقع في الناس، وأصل الهمز في اللغة: الضرب طعناً باليد أو بالعصا أو نحوه، ثم استعير للذي ينال بلسانه، قال المنذر بن سعيد: وبعينه وإشارته.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان كل من اتصف بصفة، أحب أن يشاركه الناس فيها أو يقاربوه، لا سيما إن كانت تلك الصفة دنية ليسلم من العيب أو الانفراد به، ولأن الشيء لما داناه ألف قال: {هماز} أي كثير العيب للناس في غيبتهم، وقال الحسن: هو الذي يغمز بأخيه في المجلس، أي لأن الهمز العض والعصر والدفع -من المهماز الذي يطعن به في بطون الدواب، وهو مخصوص بالغيبة كما أن اللمز مخصوص بالمواجهة. ولما كانت النميمة- وهي نقل الحديث على وجه السعاية -أشد الهمز أفاد أنه يفعله ولا يقتصر على مجرد النقل، بل يسعى به إلى غيره وإن بعد فقال تعالى: {مشاء} أي كثير المشي {بنميم} أي ينقل ما قاله الإنسان في آخر وأذاعه سراً، لا يريد صاحبه إظهاره، على وجه الإفساد للبين، مبالغ في ذلك بغاية جهده.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وهو هماز.. يهمز الناس ويعيبهم بالقول والإشارة في حضورهم أو في غيبتهم سواء. وخلق الهمز يكرهه الإسلام أشد الكراهية؛ فهو يخالف المروءة، ويخالف أدب النفس، ويخالف الأدب في معاملة الناس وحفظ كراماتهم صغروا أم كبروا. وقد تكرر ذم هذا الخلق في القرآن في غير موضع؛ فقال: (ويل لكل همزة لمزة).. وقال: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن. ولا تلمزوا أنفسكم. ولا تنابزوا بالألقاب) وكلها أنواع من الهمز في صورة من الصور..
وهو مشاء بنميم. يمشي بين الناس بما يفسد قلوبهم، ويقطع صلاتهم، ويذهب بموداتهم. وهو خلق ذميم كما أنه خلق مهين، لا يتصف به ولا يقدم عليه إنسان يحترم نفسه أو يرجو لنفسه احتراما عند الآخرين. حتى أولئك الذين يفتحون آذانهم للنمام، ناقل الكلام، المشاء بالسوء بين الأوداء. حتى هؤلاء الذين يفتحون آذانهم له لا يحترمونه في قرارة نفوسهم ولا يودونه.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وممّا يجدر الالتفات إليه أنّ هذين الوصفين وردا بصيغة المبالغة، والتي تحكي غاية الإصرار في العمل والاستمرار بهذه الممارسات القبيحة.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.