ومع التقدير والتدبير ، القدرة التي تفعل أعظم الأحداث بأيسر الإشارات :
( وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر ) . .
فهي إشارة واحدة . أو كلمة واحدة يتم بها كل أمر : الجليل والصغير سواء . وليس هنالك جليل ولا صغير . إنما ذلك تقدير البشر للأشياء . وليس هنالك زمن ولا ما يعادل لمح البصر . إنما هو تشبيه لتقريب الأمر إلى حس البشر . فالزمن إن هو إلا تصور بشري ناشيء من دورة أرضهم الصغيرة ، ولا وجود له في حساب الله المطلق من هذه التصورات المحدودة !
واحدة تنشئ هذا الوجود الهائل . وواحدة تبدل فيه وتغير . وواحدة تذهب به كما يشاء الله . وواحدة تحيي كل حي . وواحدة تذهب به هنا وهناك . وواحدة ترده إلى الموت . وواحدة تبعثه في صورة من الصور . وواحدة تبعث الخلائق جميعا . وواحدة تجمعهم ليوم الحشر والحساب .
واحدة لا تحتاج إلى جهد ، ولا تحتاج إلى زمن . واحدة فيها القدرة ومعها التقدير . وكل أمر معها مقدر ميسور .
إلا واحدة : كلمة واحدة ، هي كن .
50- { وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَر } .
إنه سبحانه فعّال لما يريد ، وإذا أراد تحقيق أمر أمَرَ به مرة واحدة ، لا تكرير فيها ، ولا تأخير لتحقيق ما يريد ، بل يتحقق كل مراده في سرعة مطلقة كلمح البصر ، ولله در القائل :
إذا أراد الله أمرا فإنما *** يقول له كُن قولة فيكون
ولمح البصر : إغماض البصر ثم فتحه ، وهذا تمثيل وتقريب لسرعة نفاذ المشيئة في إيجاد الأشياء ، فهو كلمح البصر أو أقرب ، كما قال تعالى : { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } . ( يس : 82 ) .
فالكون في قبضته سبحانه ، وَاحِدَةٌ . تنشئ هذا الوجود الهائل ، و ووَاحِدَةٌ . تبدّل فيه وتغير ، و وَاحِدَةٌ تذهب به كما يشاء الله ، وكل ذلك يبعث في نفوس المؤمنين الأمل والرجاء ، والثقة بوعد الله ونصره للمتقين ، فمن وجد الله وجد كل شيء ، ومن فقد الله فقد كل شيء .
{ وما أمرنا إلا واحدة كلمح البصر } وما أمرنا في خلق الأشياء إلا كلمة واحدة ، وهي قول : " كن " ؛ فتوجد كلمح البصر في السرعة . وهو نظير قوله تعالى : " إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون " {[341]} . والمراد : التقريب للعقول في سرعة تعلق القدرة بالمقدور على وفق الإرادة الأزلية . واللمح : النظر بالعجلة . يقال : لمح الشيء ، إذا أبصره بنظر خفيف ؛ والاسم اللمحة . أو وما أمرنا في قيام الساعة إلا كلمة واحدة فتقوم كلمح البصر ؛ فهو كقوله تعالى : " وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب " {[342]} .
{ وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ واحدة } أي ما شأننا إلا فعلة واحدة على نهج لا يختلف ووتيرة لا تتعدد وهي الإيجاد بلا معالجة ومشقة ، أو ما أمرنا إلا كلمة واحدة ، وهي قوله تعالى : { كُنَّ } فالأمر مقابل النهي وواحد الأمور ، فإذا أراد عز وجل شيئاً قال له : { كُنْ فَيَكُونُ } { كَلَمْحٍ بالبصر } أي في السير والسرعة ، وقيل : هذا في قيام الساعة فهو كقوله تعالى : { وَمَا أَمْرُ الساعة إِلاَّ كَلَمْحِ البصر } [ النحل : 77 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.