في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَمَا لَهُمۡ عَنِ ٱلتَّذۡكِرَةِ مُعۡرِضِينَ} (49)

وأمام هذا الموقف المهين الميئوس منه في الآخرة ، يردهم إلى موقفهم في الفرصة المتاحة لهم في الأرض قبل مواجهة ذلك الموقف ؛ وهم يصدون عنها ويعرضون ، بل يفرون من الهدى والخير ووسائل النجاة المعروضة عليهم فيها ، ويرسم لهم صورة مضحكة تثير السخرية والعجب من أمرهم الغريب :

( فما لهم عن التذكرة معرضين ? كأنهم حمر مستنفرة ، فرت من قسورة ? ) . .

ومشهد حمر الوحش وهي مستنفره تفر في كل اتجاه ، حين تسمع زئير الأسد وتخشاه . . مشهد يعرفه العرب . وهو مشهد عنيف الحركة . مضحك أشد الضحك حين يشبه به الآدميون ! حين يخافون ! فكيف إذا كانوا إنما ينفرون هذا النفار الذي يتحولون به من آدميين إلى حمر ، لا لأنهم خائفون مهددون بل لأن مذكرا يذكرهم بربهم وبمصيرهم ، ويمهد لهم الفرصة ليتقوا ذلك الموقف الزري المهين ، وذلك المصير العصيب الأليم ? !

إنها الريشة المبدعة ترسم هذا المشهد وتسجله في صلب الكون ، تتملاه النفوس ، فتخجل وتستنكف أن تكون فيه ، ويروح النافرون المعرضون أنفسهم يتوارون من الخجل ، ويطامنون من الإعراض والنفار ، مخافة هذا التصوير الحي العنيف !

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَمَا لَهُمۡ عَنِ ٱلتَّذۡكِرَةِ مُعۡرِضِينَ} (49)

ولما كان هذا الإخبار بنعيم المنعم وعذاب المعذب موجباً للتذكر ، سبب عنه الإنكار عليهم فقال : { فما } أي أيّ شيء يكون { لهم } حال كونهم{[70001]} { عن التذكرة } أي التذكر العظيم خاصة بالقرآن خصوصاً وبغيره عموماً { معرضين * } وعلى الباطل وحده مقبلين ، وذلك من أعجب العجب ، لأن طبع الإنسان إذا حذر من شيء حذره أشد الحذر كما لو حذر المسافر من سبع في طريقه فإنه يبذل جهده في الحيدة عنه والحذر منه{[70002]} وإن كان المخبر كاذباً ، فكيف يعرضون عن هذا المحذور الأعظم والمخبر أصدق الصادقين{[70003]} ، فإعراضهم{[70004]} هذا دليل على اختلال{[70005]} عقولهم واختبال فهومهم{[70006]} ،


[70001]:زيد في الأصل، في غفلة دائمة، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[70002]:من ظ و م، وفي الأصل: عنه.
[70003]:من ظ و م، وفي الأصل: القايلين.
[70004]:زيد في الأصل: عن، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[70005]:من ظ و م، وفي الأصل: اختلاف.
[70006]:من ظ و م، وفي الأصل: قولهم.