التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{فَمَا لَهُمۡ عَنِ ٱلتَّذۡكِرَةِ مُعۡرِضِينَ} (49)

تفريع للتعجيب من إصرارهم على الإِعراض عن ما فيه تذكرة على قوله : { وما هي إلاّ ذِكْرى للبشر } [ المدثر : 31 ] .

وجيء باسم التذكرة الظاهر دون أن يؤتى بضمير نحو : أن يقال : عنها معرضين ، لئلا يختص الإِنكار والتعجيب بإعراضهم عن تذكرة الإِنذار بسقَر ، بل المقصود التعميم لإِعراضهم عن كل تذكرة وأعظمها تذكرة القرآن كما هو المناسب للإِعراض قال تعالى : { إنْ هو إلاّ ذِكْر للعالمين } [ التكوير : 27 ] .

و { ما لهم } استفهام مستعمل في التعجيب من غرابة حالهم بحيث تجدر أن يستفْهِم عنها المستفهِمُون وهو مجاز مرسل بعلاقة الملازمة ، و { لهم } خبر عن ( ما ) الاستفهامية . والتقدير : ما ثبت لهم ، و { معرضين } حال من ضمير { لهم } ، أي يستفهم عنهم في هذه الحالة العجيبة .

وتركيب : ما لَكَ ونحوهُ ، لا يخلو من حال تلحق بضميره مفردةٍ أو جملة نحو { ما لك لاَ تأمنّا على يوسف } في سورة يوسف ( 11 ) . وقوله تعالى : { فما لهم لا يؤمنون } في سورة الانشقاق ( 20 ) . وقوله : { ما لكم كيف تحكمون } في سورة الصافات ( 154 ) وسورة القلم ( 36 ) . و { عن التذكرة } متعلق ب { معرضين .

وشُبهتْ حالة إعراضهم المتخيَّلة بحالة فرار حُمُر نافرة مما ينفرها .