وبعد عرض هذه القصص الثلاثة بشيء من التفصيل ؛ ليذكره رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ويصبر على ما يلاقيه . يجمل السياق الإشارة إلى مجموعة من الرسل . في قصصهم من البلاء والصبر ، ومن الإنعام والإفضال ، ما في قصص داود وسليمان وأيوب - عليهم السلام - ومنهم سابقون على هؤلاء معروف زمانهم . ومنهم من لا نعرف زمانه ، لأن القرآن والمصادر المؤكدة لدينا لم تحدده :
( واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار . إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار . وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار . واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار . . . ) . .
وإبراهيم وإسحاق ويعقوب - وكذلك إسماعيل - كانوا قبل داود وسليمان قطعاً . ولكن لا نعرف أين هم من زمان أيوب . وكذلك اليسع وذو الكفل . ولم يرد عنهما في القرآن إلا إشارات سريعة . وهناك نبي من أنبياء بني إسرائيل اسمه بالعبرية : " إليشع " وهو اليسع بالعربية على وجه الترجيح . فأما ذو الكفل فلا نعرف عنه شيئاً إلا صفته هذه ( من الأخيار ) . .
ويصف الله سبحانه : إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، بأنهم ( أولي الأيدي والأبصار ) . . كناية عن العمل الصالح بالأيدي والنظر الصائب أو الفكر السديد بالأبصار . وكأن من لا يعمل صالحاً لا يد له . ومن لا يفكر تفكيراً سليماً لا عقل له أو لا نظر له !
{ واذكر عبدنا } : أي اذكر صبرهم على ما أصابهم فإِن لك بهم أسوة .
{ أولى الأيدي } : أي أصحاب القوى في العبادة .
{ والأبصار } : أي البصائر في الدين بمعرفة الأسرار والحكم .
ما زال السياق في ذكر الأنبياء وما أُكرموا به على صبرهم ليكون ذلك مثبتاً للنبي صلى الله عليه وسلم على دعوته والصبر عليها والتحمل في سبيل الوصول بها إلى غاياتها فقال تعالى له { واذكر } أي يا نبيّنا { عبادنا } لتتأسى بهم وهم { إبراهيم واسحق } وولده { يعقوب } حفيده { أولي } أي أصحاب { الأيدي } أي القوى في العبادة والطاعة { والأبصار } اي أبصار القلوب وذلك بالفقه في الدين ومعرفة أسرار التشريع .
- فضيلة القوة في العبادة والبصيرة في الدين وفي الحديث " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير " .
قوله تعالى : " واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب " قرأ ابن عباس : " عبدنا " بإسناد صحيح ، رواه ابن عيينة عن عمرو عن عطاء عنه ، وهي قراءة مجاهد وحميد وابن محيصن وابن كثير ، فعلى هذه القراءة يكون " إبراهيم " بدلا من " عبدنا " و " إسحاق ويعقوب " عطف . والقراءة بالجمع أبين ، وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم ، ويكون " إبراهيم " وما بعده على البدل . النحاس : وشرح هذا من العربية أنك إذا قلت : رأيت أصحابنا زيدا وعمرا وخالدا ، فزيد وعمرو وخالد بدل وهم الأصحاب ، وإذا قلت رأيت صاحبنا زيدا وعمرا وخالدا فزيد وحده بدل وهو صاحبنا ، وزيد وعمرو عطف على صاحبنا وليسا بداخلين في المصاحبة إلا بدليل غير هذا ، غير أنه قد علم أن قوله : " وإسحاق ويعقوب " داخل في العبودية . وقد استدل بهذه الآية من قال : إن الذبيح إسحاق لا إسماعيل ، وهو الصحيح على ما ذكرناه في كتاب ( الإعلام بمولد النبي عليه السلام ) . " أولي الأيدي والأبصار " قال النحاس : أما " الأبصار " فمتفق على تأويلها أنها البصائر في الدين والعلم . وأما " الأيدي " فمختلف في تأويلها ، فأهل التفسير يقولون : إنها القوة في الدين . وقوم يقولون : " الأيدي " جمع يد وهي النعمة ، أي هم أصحاب النعم ، أي الذين أنعم الله عز وجل عليهم . وقيل : هم أصحاب النعم والإحسان ؛ لأنهم قد أحسنوا وقدموا خيرا . وهذا اختيار الطبري . " وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار " أي الذين اصطفاهم من الأدناس واختارهم لرسالته ومصطفين جمع مصطفى والأصل مصتفى وقد مضى في " البقرة " عند قوله : " إن الله اصطفى لكم الدين " [ البقرة : 132 ] " والأخيار " جمع خير . وقرأ الأعمش وعبد الوارث والحسن وعيسى الثقفي " أولي الأيد " بغير ياء في الوصل والوقف على معنى أولي القوة في طاعة الله . ويجوز أن يكون كمعنى قراءة الجماعة وحذف الياء تخفيفا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.