في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِن نَّقُولُ إِلَّا ٱعۡتَرَىٰكَ بَعۡضُ ءَالِهَتِنَا بِسُوٓءٖۗ قَالَ إِنِّيٓ أُشۡهِدُ ٱللَّهَ وَٱشۡهَدُوٓاْ أَنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ} (54)

50

وما نعلل دعوتك إلا بأنك تهذي وقد أصابك أحد آلهتنا بسوء !

وهنا لم يبق لهود إلا التحدي . وإلا التوجه إلى الله وحده والاعتماد عليه . وإلا الوعيد والإنذار الأخير للمكذبين . وإلا المفاصلة بينه وبين قومه ونفض يده من أمرهم إن أصروا على التكذيب :

( قال إني أشهد الله ، واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه ، فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون . إني توكلت على الله ربي وربكم ، ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها ، إن ربي على صراط مستقيم . فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ، ويستخلف ربي قوما غيركم ، ولا تضرونه شيئا ، إن ربي على كل شيء حفيظ ) . .

إنها انتفاضة التبرؤ من القوم - وقد كان منهم وكان أخاهم - وانتفاضة الخوف من البقاء فيهم وقد اتخذوا غير طريق الله طريقا . وانتفاضة المفاصلة بين حزبين لا يلتقيان على وشيجة وقد انبتت بينهما وشيجة العقيدة .

وهو يشهد الله ربه على براءته من قومه الضالين وانعزاله عنهم وانفصاله منهم . ويشهدهم هم أنفسهم على هذه البراءة منهم في وجوههم ؛ كي لا تبقى في أنفسهم شبهة من نفوره وخوفه أن يكون منهم !

وذلك كله مع عزة الإيمان واستعلائه . ومع ثقة الإيمان واطمئنانه !

وإن الإنسان ليدهش لرجل فرد يواجه قوما غلاظا شدادا حمقى . يبلغ بهم الجهل أن يعتقدوا أن هذه المعبودات الزائفة تمس رجلا فيهذي ؛ ويروا في الدعوة إلى الله الواحد هذيانا من أثر المس ! يدهش لرجل يواجه هؤلاء القوم الواثقين بآلهتهم المفتراة هذه الثقة ، فيسفه عقيدتهم ويقرعهم عليها ويؤنبهم ؛ ثم يهيج ضراوتهم بالتحدي . لا يطلب مهلة ليستعد استعدادهم ، ولا يدعهم يتريثون فيفثأ غضبهم .

إن الإنسان ليدهش لرجل فرد يقتحم هذا الاقتحام على قوم غلاظ شداد . ولكن الدهشة تزول عندما يتدبر العوامل والأسباب . .

إنه الإيمان . والثقة . والاطمئنان . . الإيمان بالله ، والثقة بوعده ، والاطمئنان إلى نصره . . الإيمان الذي يخالط القلب فإذا وعد الله بالنصر حقيقة ملموسة في هذا القلب لا يشك فيها لحظة . لأنها ملء يديه ، وملء قلبه الذي بين جنبيه ، وليست وعدا للمستقبل في ضمير الغيب ، إنما هي حاضر واقع تتملاه العين والقلب .

( قال : إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه ) .

إني أشهد الله على براءتي مما تشركون من دونه . واشهدوا أنتم شهادة تبرئني وتكون حجة عليكم : أنني عالنتكم بالبراءة مما تشركون من دون الله .

/خ60

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِن نَّقُولُ إِلَّا ٱعۡتَرَىٰكَ بَعۡضُ ءَالِهَتِنَا بِسُوٓءٖۗ قَالَ إِنِّيٓ أُشۡهِدُ ٱللَّهَ وَٱشۡهَدُوٓاْ أَنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ} (54)

{ إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ } يقولون : ما نظن إلا أن بعض الآلهة أصابك بجنون وخبَل في عقلك بسبب نهيك عن عبادتها وعيبك لها { قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا } [ أي أنتم أيضا ]{[14685]} { أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ } {[14686]} . يقول : إني بريء من جميع الأنداد والأصنام ، { فَكِيدُونِي جَمِيعًا } أي : أنتم وآلهتكم إن كانت حقا ، [ ف ذروها تكيدني ]{[14687]} ، { ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ } أي : طرفة عين [ واحدة ]{[14688]} .


[14685]:- زيادة من ت ، أ.
[14686]:- في ت : "تدعون" وهو خطأ.
[14687]:- زيادة من ت ، أ.
[14688]:- زيادة من ت ، أ.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِن نَّقُولُ إِلَّا ٱعۡتَرَىٰكَ بَعۡضُ ءَالِهَتِنَا بِسُوٓءٖۗ قَالَ إِنِّيٓ أُشۡهِدُ ٱللَّهَ وَٱشۡهَدُوٓاْ أَنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ} (54)

{ إن نقول إلا اعتراك } ما نقول إلا قولنا { اعتراك } أي أصابك من عراه يعروه إذا أصابه . { بعض آلهتنا بسوء } بجنون لسبك إياها وصدك عنها ومن ذلك تهذي وتتكلم بالخرافات ، والجملة مقول القول وألا لغو لأن الاستثناء مفرغ . { قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِن نَّقُولُ إِلَّا ٱعۡتَرَىٰكَ بَعۡضُ ءَالِهَتِنَا بِسُوٓءٖۗ قَالَ إِنِّيٓ أُشۡهِدُ ٱللَّهَ وَٱشۡهَدُوٓاْ أَنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ} (54)

وقولهم : { إن نقول } الآية ، معناه ما نقول إلا أن بعض الآلهة لما سببتها وضللت عبدتها أصابك بجنون ، يقال : عر يعر واعترى يعتري إذا ألم بالشيء{[6391]} .


[6391]:- في الصحاح: "يقال: به عُرّة وهو ما اعتراه من الجنون، والعُرّة: أيضا: البعر والسرجيم وسلح الطير، وفلان عرّة: قذر، وهو يعرّ قومه: أي يدخل عليهم مكروها يلطخهم به". وفي اللسان: "وعراني الأمر*** عورا واعتراني: غشيني وأصابني، قال الراعي: قال خُليدة: ما عراك؟ ولم تكن بعد الرّقاد عن الشؤون سؤولا وابن عطية يسوّي في المعنى بين المادتين، فمعناهما عنده: ألمّ به، وقد يكون النزول في (اعترى) لطلب المعروف، وكان الأحسن أن يقول: "عرّ يعرّ، واعترى يعتري إذا أصابه بسوء، راجع التاج أيضا وغيره من المعاجم.