إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِن نَّقُولُ إِلَّا ٱعۡتَرَىٰكَ بَعۡضُ ءَالِهَتِنَا بِسُوٓءٖۗ قَالَ إِنِّيٓ أُشۡهِدُ ٱللَّهَ وَٱشۡهَدُوٓاْ أَنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ} (54)

{ إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْترَاكَ } أي ما نقول إلا قولَنا اعتراك أي أصابك { بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ } بجنون لِسبِّك إياها وصدِّك عن عبادتها وحطِّك لها عن رتبة الألوهيةِ والمعبوديةِ بما مر من قولِك : { ما لكم من إله غيرُه إن أنتم إلا مفترون } [ هود ، الآية 50 ] ، والتنكيرُ في سوءٍ للتقليل كأنهم لم يبالغوا في السوء كما ينبىء عنه نسبةُ ذلك إلى بعض آلهتِهم دون كلِّها ، والجملةُ مقولُ القولِ وإلا لغوٌ لأن الاستثناءَ مفرَّغٌ ، وهذا الكلامُ مقرِّرٌ لما مر من قولهم : { وما نحن بتاركي آلهتِنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين } [ هود ، الآية 53 ] فإن اعتقادَهم بكونه عليه الصلاة والسلام كما قالوا وحاشاه عن ذلك يوجب عدمَ الاعتدادِ بقوله وعدِّه من قبيل الخُرافاتِ فضلاً عن التصديق والعملِ بمقتضاه ، يعنون إنا لا نعُدّ كلاَمك إلا من قبيل ما لا يحتمل الصِّدقَ والكذِبَ من الهذَيانات الصادرةِ عن المجانين فكيف نصدِّقه ونؤمن به ونعمل بموجبه ، ولقد سلكوا في طريقة المخالفةِ والعناد إلى سبيل الترقّي من الأدنى إلى الأعلى حيث أَخبَروا أولاً عن عدم مجيئِه بالبينة مع احتمال كونِ ما جاء به عليه الصلاة والسلام حجةً في نفسه وإن لم تكن واضحةَ الدِلالة على المراد ، وثانياً عن ترك الامتثالِ بقوله عليه الصلاة والسلام بقولهم : { وما نحن بتاركي آلهتِنا عن قولك } مع إمكان تحققِ ذلك بتصديقهم له عليه الصلاة والسلام في كلامه ثم نفَوا تصديقَهم له عليه الصلاة والسلام بقولهم : { وما نحن لك بمؤمنين } [ هود ، الآية 53 ] مع كون كلامِه عليه الصلاة والسلام مما يقبل التصديقَ ثم نفَوْا عنه تلك المرتبةَ أيضاً حيث قالوا ما قالوا قاتلهم الله أنى يؤفكون { قَالَ إِنِّي أَُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ ممَّا تُشْرِكُونَ } .