في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَوۡ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَابٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعۡرُجُونَ} (14)

وليس الذي ينقصهم هو توافر دلائل الإيمان ، فهم معاندون ومكابرون ، مهما تأتهم من آية بينة فهم في عنادهم ومكابرتهم سادرون .

وهنا يرسم السياق نموذجا باهرا للمكابرة المرذولة والعناد البغيض :

( ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون ، لقالوا : إنما سكرت أبصارنا ، بل نحن قوم مسحورون ) .

ويكفي تصورهم يصعدون في السماء من باب يفتح لهم فيها . يصعدون بأجسامهم ، ويرون الباب المفتوح أمامهم ، ويحسون حركة الصعود ويرون دلائلها . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَوۡ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَابٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعۡرُجُونَ} (14)

يخبر تعالى عن قوة كفرهم وعنادهم ومكابرتهم للحق : أنه لو فتح لهم بابًا من السماء ، فجعلوا يصعدون فيه ، لما صدّقوا بذلك ، بل قالوا : { سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا }

قال مجاهد وابن كثير ، والضحاك : سدت أبصارنا .

وقال قتادة ، عن ابن عباس : أخذت أبصارنا .

وقال العوفي عن ابن عباس : شُبه علينا ، وإنما سحرنا .

وقال الكلبي : عَميت أبصارنا .

وقال ابن زيد : { سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا } السكران{[16095]} الذي لا يعقل .


[16095]:في أ: "السكر".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَوۡ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَابٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعۡرُجُونَ} (14)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مّنَ السّمَاءِ فَظَلّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُواْ إِنّمَا سُكّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مّسْحُورُونَ } .

اختلف أهل التأويل في المعنيين بقوله : فَظَلّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ فقال بعضهم : معنى الكلام : ولو فتحنا على هؤلاء القائلين لك يا محمد لَوْما تَأْتِينا بالمَلائِكَةِ إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ بابا من السماء فظلت الملائكة تعرج فيه وهم يرونهم عيانا ، لقالُوا إنمَا سُكّرَتْ أبصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بابا مِنَ السّماءِ فَظَلّوا فِيهِ يَعْرِجُونَ يقول : لو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلت الملائكة تعرج فيه ، لقال أهل الشرك : إنما أخَذَ أبصارنا ، وشَبّه علينا ، وإنما سحرنا فذلك قولهم : لَوْما تَأْتِينا بالمَلائِكَةِ إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن ابن عباس : فَظَلّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ فظلت الملائكة يعرجون فيه يراهم بنو آدم عيانا لقالُوا إنمَا سُكّرَتْ أبْصَارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْم مَسْحورُون .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : يا أيّها الّذِي نُزّلَ عَلَيْهِ الذّكْرُ إنّكَ لمَجْنُونٌ لَوْما تَأْتِينا بالمَلائِكَةِ إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ ، قال : ما بين ذلك إلى قوله : وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بابا مِنَ السّماءِ فَظَلّوا فِيهِ يَعْرِجُونَ قال : رجع إلى قوله : لَوْما تَأْتِينا بالمَلائِكَةِ ما بين ذلك . قال ابن جريج : قال ابن عباس : فظلت الملائكة تعرج فنظروا إليهم ، لقالُوا إنّمَا سُكّرَتْ أبْصَارُنا قال : قريش تقوله .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بابا مِنَ السّماءِ فَظَلّوا فِيهِ يَعْرِجُونَ قال : قال ابن عباس : لو فتح الله عليهم من السماء بابا فظلت الملائكة تعرج فيه ، يقول : يختلفون فيه جائين وذاهبين لقالُوا إنّمَا سُكّرَتْ أبْصَارُنا .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بابا مِنَ السّماءِ فَظَلّوا فِيهِ يَعْرِجُونَ يعني الملائكة يقول : لو فتحتُ على المشركين بابا من السماء ، فنظروا إلى الملائكة تعرج بين السماء والأرض ، لقال المشركون : نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ سُحرنا وليس هذا بالحقّ . ألا ترى أنهم قالوا قبل هذه الاَية : لَوْما تَأْتِينا بالمَلائِكَةِ إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا هشام ، عن عمر ، عن نصر ، عن الضحاك ، في قوله : وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بابا مِنَ السّماءِ فَظَلّوا فِيهِ يَعْرِجُونَ قال : لو أني فتحت بابا من السماء تعرج فيه الملائكة بين السماء والأرض ، لقال المشركون : بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ألا ترى أنهم قالوا : لَوْما تَأْتِينا بالمَلائِكَةِ إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ .

وقال آخرون : إنما عُني بذلك بنو آدم .

ومعنى الكلام عندهم : ولو فتحنا على هؤلاء المشركين من قومك يا محمد بابا من السماء فظلوا هم فيه يعرجون لقَالُوا إنّمَا سُكّرَتْ أبْصَارُنا . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بابا مِنَ السّماءِ فَظَلّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ قال قتادة ، كان الحسن يقول : لو فعل هذا ببني آدم فظلوا فيه يعرجون أي يختلفون ، لقالُوا إنّما سُكّرَتْ أبْصَارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ .

وأما قوله : يَعْرُجُونَ فإن معناه : يرقَوْن فيه ويَصْعَدون ، يقال منه : عرج يَعْرُج عُروجا إذا رَقِيَ وصَعَد ، وواحدة المعارج : معرج ومعراج ومنه قول كثير :

إلى حَسَبٍ عَوْدٍ بنَا المرْءَ قَبْلَهُ *** أبُوهُ لَهُ فِيهِ معَارِجَ سُلّمِ

وقد حُكي : عرِج يعرِج بكسر الراء في الاستقبال . وقوله : لقَالُوا إنّما سُكّرَتْ أبْصَارُنا يقول : لقال هؤلاء المشركون الذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم : ما هذا بحقّ إنما سكّرت أبصارنا .

واختلفت القراء في قراءة قوله : سُكّرَتْ فقرأ أهل المدينة والعراق : سُكّرَتْ بتشديد الكاف ، بمعنى : غُشّيت وغُطّيت ، هكذا كان يقول أبو عمرو بن العلاء فيما ذُكر لي عنه . وذُكر عن مجاهد أنه كان يقرأ : «لقَالُوا إنّما سُكّرَتْ » .

حدثني بذلك الحرث ، قال : حدثنا القاسم ، قال : سمعت الكسائي يحدّث عن حمزة ، عن شبل ، عن مجاهد أنه قرأها : «سُكّرَتْ أبْصَارُنا » خفيفة .

وذهب مجاهد في قراءته ذلك كذلك إلى : حُبست أبصارنا عن الرؤية والنظر من سكور الريح ، وذلك سكونها وركودها ، يقال منه : سكرت الريح : إذا سكنت وركدت . وقد حُكي عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقول : هو مأخوذ من سُكْر الشراب ، وأن معناه : قد غشّى أبصارنا السكر .

وأما أهل التأويل فإنهم اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم : معنى سُكّرَتْ : سدّت . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا ورقاء وحدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة قال : حدثنا ورقاء وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حُذيفة ، قال : حدثنا شبل وحدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء جميعا ، عن ابن نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : سُكّرَتْ أبْصَارُنا قال : سدّت .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا حجاج ، يعني ابن محمد ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني ابن كثير قال : سدّت .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : سُكّرَتْ أبْصَارُنا يعني : سدّت .

فكأن مجاهدا ذهب في قوله وتأويله ذلك بمعنى : سدّت ، إلى أنه بمعنى : منعت النظر ، كما يُسكر الماء فيمنع من الجري بحبسه في مكان بالسكر الذي يسّكر به .

وقال آخرون : معنى سُكرت : أُخذت . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، عن ابن عباس : لقَالُوا إنّمَا سُكّرَتْ أبْصَارُنا يقول : أُخذت أبصارنا .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : إنما أخذ أبصارنا ، وشبّه علينا ، وإنما سحرنا .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة : لقَالُوا إنّما سُكّرَتْ أبْصَارُنا يقول : سُحرت أبصارنا يقول : أخذت أبصارنا .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد ، قال : حدثنا شيبان ، عن قتادة ، قال : من قرأ : سُكّرَتْ مشددة : يعني سدّت . ومن قرأ «سُكِرَتْ » مخففة ، فإنه يعني سحرت .

وكأن هؤلاء وجّهوا معنى قوله سُكّرَتْ إلى أن أبصارهم سُحرت ، فشبه عليهم ما يبصرون ، فلا يميزون بين الصحيح مما يرون وغيره من قول العرب : سُكّر على فلان رأيه : إذا اختلط عليه رأيه فيما يريد فلم يدر الصواب فيه من غيره ، فإذا عزم على الرأي قالوا : ذهب عنه التسكير .

وقال آخرون : هو مأخوذ من السكر ، ومعناه : غشي على أبصارنا فلا نبصر ، . كما يفعل السكر بصاحبه ، فذلك إذا دير به وغشي بصره كالسمادير فلم يبصر . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : «إنّمَا سُكّرَتْ أبْصَارُنا » قال : سكرت ، السكران الذي لا يعقل .

وقال آخرون : معنى ذلك : عميت . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن الكلبي : سُكّرَتْ قال : عميت .

وأولى هذه الأقوال بالصواب عندي قول من قال : معنى ذلك : أخذت أبصارنا وسحرت ، فلا تبصر الشيء على ما هو به ، وذهب حدّ إبصارنا وانطفأ نوره كما يقال للشيء الحارّ إذا ذهبت فورته وسكن حدّ حرّة : قد سكر يسكر . قال المثنى بن جندل الطّهوي :

جاءَ الشّتاءُ واجْثَأَلّ القُبّرُ *** واستَخْفَتِ الأفْعَى وكانت تَظْهَرُ

*** وجَعَلَتْ عينُ الحَرُور تَسْكُرُ ***

أي تسكن وتذهب وتنطفىء . وقال ذو الرّمّة :

قَبْلَ انْصِداعِ الفَجْرِ والتّهَجّرِ *** وخَوْضُهُنّ اللّيْلَ حينَ يَسْكُرُ

يعني : حين تسكن فورته . وذُكر عن قيس أنها تقول : سكرت الريح تسكر سُكُورا ، بمعنى : سكنت . وإن كان ذلك عنها صحيحا ، فإن معنى سُكِرَت وسُكّرَتْ بالتخفيف والتشديد متقاربان ، غير أن القراءة التي لا أستجيز غيرها في القرآن : سُكّرَتْ بالتشديد لإجماع الحجة من القراء عليها ، وغير جائز خلافها فيما جاءت به مجمعة عليه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَوۡ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَابٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعۡرُجُونَ} (14)

{ ولو فتحنا عليهم } أي على هؤلاء المقترحين . { بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون } يصعدون إليها ويرون عجائبها طول نهارهم مستوضحين لما يرون ، أو تصعد الملائكة وهم يشاهدونهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَوۡ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَابٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعۡرُجُونَ} (14)

وقوله : { ولو فتحنا عليهم } ، الضمير في { عليهم } عائد على قريش وكفرة العصر المحتوم عليهم . والضمير في قوله : { فظلوا } يحتمل أن يعود عليهم - وهو أبلغ في إصرارهم - وهذا تأويل الحسن : و { يعرجون } معناه : يصعدون .

وقرأ الأعمش وأبو حيوة «يعرِجون » بكسر الراء{[7139]} ، والمعارج الأدراج ، ومنه : المعراج ، ومنه قول كثير : [ الطويل ] .

إلى حسب عود بني المر قبله . . . أبوه له فيه معارج سلم{[7140]}

ويحتمل أن يعود على { الملائكة } [ الحجر : 7 ] لقولهم : { لو ما تأتينا بالملائكة } [ الحجر : 7 ] ، فقال الله تعالى : «ولو رأوا الملائكة يصعدون ويتصرفون في باب مفتوح في السماء ، لما آمنوا » : وهذا تأويل ابن عباس .


[7139]:وهي لغة هذيل في العروج بمعنى الصعود.
[7140]:الحسب: الشرف الثابت في الآباء، أو ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه، والعود: القديم الضخم، و المعارج: جمع معرج (بالفتح والكسر في الميم) وهو ما يصعد فيه، والعروج هو الصعود.