ويختم هذا الشوط بالعبرة الكلية لمصارع من حولهم من القرى من عاد وغير عاد :
( ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى ، وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون . فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة ! بل ضلوا عنهم . وذلك إفكهم وما كانوا يفترون ) . .
وقد أهلك الله القرى التي كذبت رسلها في الجزيرة . كعاد بالأحقاف في جنوب الجزيرة . وثمود بالحجر في شمالها . وسبأ وكانوا باليمن . ومدين وكانت في طريقهم إلى الشام . وكذلك قرى قوم لوط وكانوا يمرون بها في رحلة الصيف إلى الشمال .
ولقد نوع الله في آياته لعل المكذبين يرجعون إلى ربهم ويثوبون . ولكنهم مضوا في ضلالتهم ، فأخذهم العذاب الأليم ، ألوانا وأنواعا ، تتحدث بها الأجيال من بعدهم ، ويعرفها الخلف من ورائهم . وكان مشركو مكة يتسامعون بها ، ويرون آثارها غادين رائحين .
ولقد أهلكنا القرى التي كانت حولكم يا أهلَ مكة ، وبينّا لهم الآياتِ المتنوعةَ والحجج لعلّهم يرجعون عن الكفر . فلم يَرعَووا ولم يرجِعوا . فخُذوا عبرةً من كل ما تلوناه عليكم وارجِعوا عن كفركم وعبادةِ الأوثان لعلّكم تُفلحون .
والمقصود بالقرى التي حولَهم هي أقوام هود وصالح ولوط وشعيب لأنهم كانوا حول ديارهم .
{ 27-28 } { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ }
يحذر تعالى مشركي العرب وغيرهم بإهلاك الأمم المكذبين الذين هم حول ديارهم ، بل كثير منهم في جزيرة العرب كعاد وثمود ونحوهم وأن الله تعالى صرف لهم الآيات أي : نوعها من كل وجه ، { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } عماهم عليه من الكفر والتكذيب .
قوله تعالى : " ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى " يريد حجر ثمود وقرى لوط ونحوهما مما كان يجاور بلاد الحجاز ، وكانت أخبارهم متواترة عندهم . " وصرفنا الآيات " يعني الحجج والدلالات وأنواع البينات والعظات ، أي بيناها لأهل تلك القرى . " لعلهم يرجعون " فلم يرجعوا . وقيل : أي صرفنا آيات القرآن في الوعد والوعيد والقصص والإعجاز لعل هؤلاء المشركين يرجعون .
ولما تم المراد من الإخبار بهلاكهم على ما لهم من المكنة العظيمة ليتعظ بهم من سمع أمرهم ، أتبعهم من كان مشاركاً لهم في التكذيب فشاركهم في الهلاك ، فقال مكرراً لتخويفهم دالاً{[59024]} على إحاطة قدرته بإحاطة علمه : { ولقد أهلكنا } بما لنا من العظمة {[59025]}والقدرة المحيطتين الماضيتين بكل ما نريد{[59026]} { ما حولكم } أي يا أهل مكة { من القرى } كأهل الحجر وسبا ومدين والأيكة وقوم لوط وفرعون وأصحاب الرس {[59027]}وثمود{[59028]} وغيرهم ممن{[59029]} فيهم معتبر{[59030]} . ولما كان الموعوظ به الإهلاك{[59031]} ذكر مقدماً ، فتشوف السامع إلى السؤال عن حالهم في الآيات ، فقال عاطفاً بالواو التي-{[59032]} لا يمنع معطوفها التقدم على ما عطف عليه : { وصرفنا الآيات } أي حولنا الحجج البينات وكررناها موصلة{[59033]} مفصلة مزينة{[59034]} محسنة على وجوه شتى من الدلالات ، خالصة عن كل{[59035]} شبهة .
ولما كان تصريف الآيات لا يخص أحداً بعينه ، بل هو لكل من رآه أو سمع به لم يقيدها بهم{[59036]} وذكر العلة الشاملة{[59037]} لغيرهم فقال : { لعلهم } أي الكفار { يرجعون * } أي ليكونوا عند من يعرف حالهم في رؤية الآيات حال من يرجع عن الغي الذي كان يركبه{[59038]} لتقليد أو شبهة كشفته الآيات وفضحته{[59039]} الدلالات فلم يرجعوا ، فكان عدم رجوعهم سبب إهلاكنا لهم{[59040]} .