تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَقَدۡ أَهۡلَكۡنَا مَا حَوۡلَكُم مِّنَ ٱلۡقُرَىٰ وَصَرَّفۡنَا ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (27)

الآية 27 وقوله تعالى : { ولقد أهلكنا ما حولكم من القُرى } خلق الله تعالى البشر على طبع وبنية وحال يحذرون ما يزل بأشكالهم وأمثالهم بذنوب ارتكبوها ، ويتّعظون بغيرهم . فكأنه يقول : احذروا صُنع الذين أُهلكوا{[19353]} حولكم وبقربكم لئلا ينزل بكم ما نزل بأولئك الذين أُهلكوا حولكم لترتدعوا عن ذلك وألا تعاملوا رسوله كما عامل أولئك حتى لا [ ينزل بكم ]{[19354]} مثل ما نزل بأولئك بتكذيبهم الرسل وعنادهم واستهزائهم بهم . يحذّرهم ما نزل بأولئك الذين أهلكوا حولهم ليرتدعوا عن ذلك وألا يعاملوا رسوله صلى الله عليه وسلم كما عامل{[19355]} أولئك حتى [ لا ]{[19356]} ينزل بهم مثل ما نزل بأولئك ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وصرّفنا الآيات } يخرّج على وجهين :

أحدهما : أي جعلنا للرسل عليهم السلام آيات أقاموها على أقوامهم{[19357]} ما تعلّمهم ذلك ، وتخبرهم عن صدقهم ، فردّوها ، وكذّبوهم بها . فعنذ ذلك أهلكناهم . فعلى ذلك جعلنا لمحمد صلى الله عليه وسلم من الآيات ما تُعلّمكم يا أهل مكة وتخبركم عن صدقه ، وتدلّكم على رسالته ، فلا تردّوها حتى لا ينزل بكم ما نزل بهم ، والله أعلم .

والثاني : { وصرّفنا الآيات } أي نشرنا في الآفاق والأطراف النائية ما حلّ بأولئك ، ونزل بهم بتكذيبهم الرسل وما كان منهم من العناد والردّ ما يلزم من بلغ ذلك الخبر ، واتّصل به ما نزل بأولئك للرجوع عن مثل صنيعهم ومثل معاملتهم .

فأحد التأويلين : يرجع إلى انتشار ما نزل بأولئك في الآفاق ليرجعوا عن ذلك ، فيصير ذلك آية له ، فيحملهم على الرجوع عن صنيع أولئك ليرجعوا عن ذلك .

والثاني : إخبار أنه جعل لكل رسول ونبيّ آية على صدقه ودلالة على رسالته ، أي لم يُهلكهم إلا بعد [ عدم ]{[19358]} لزومهم التصديق لهم ، والله أعلم .


[19353]:أدرج بعدها في الأصل وم: ما.
[19354]:في الأصل وم: يزال بهم.
[19355]:في الأصل وم: عاملوا.
[19356]:ساقطة من الأصل وم.
[19357]:في الأصل وم: قومهم.
[19358]:ساقطة من الأصل وم.