في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا طَحَىٰهَا} (6)

كذلك يقسم بالأرض وطحوها : ( والأرض وما طحاها ) . . والطحو كالدحو : البسط والتمهيد للحياة . وهي حقيقة قائمة تتوقف على وجودها حياة الجنس البشري وسائر الأجناس الحية . وهذه الخصائص والموافقات التي جعلتها يد الله في هذه الأرض هي التي سمحت بالحياة فيها وفق تقديره وتدبيره . وحسب الظاهر لنا أنه لو اختلت إحداها ما أمكن أن تنشأ الحياة ولا أن تسير في هذا الطريق الذي سارت فيه . . وطحو الأرض أو دحوها كما قال في الآية الأخرى : والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها . وهو أكبر هذه الخصائص والموافقات . ويد الله وحدها هي التي تولت هذا الأمر . فحين يذكر هنا بطحو الأرض ، فإنما يذكر بهذه اليد التي وراءه . ويلمس القلب البشري هذه اللمسة للتدبر والذكرى .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا طَحَىٰهَا} (6)

{ والأرض وما طحاها } أي ومن بسطها من كل جانب ، للاستقرار عليها ؛ كدحاها .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا طَحَىٰهَا} (6)

قوله تعالى { والأرض وما طحاها }

أي وطحوها . وقيل : ومن طحاها ، على ما ذكرناه آنفا . أي بسطها ، كذا قال عامة المفسرين ، مثل دحاها . قال الحسن ومجاهد وغيرهما : طحاها ودحاها : واحد ، أي بسطها من كل جانب . والطحو : البسط ، طحا يطحو طحوا ، وطحى يطحي طحيا ، وطحيت : اضطجعت ، عن أبي عمرو . وعن ابن عباس : طحاها : قسمها . وقيل : خلقها ، قال الشاعر :

وما تدري جذيمةُ من طَحَاهَا *** ولا مَنْ سَاكِنُ العرشِ الرفيعِ

الماوردي : ويحتمل أنه ما خرج منها من نبات وعيون وكنوز ؛ لأنه حياة لما خلق عليها . ويقال في بعض أيمان العرب : لا ، والقمر الطاحي ، أي المشرف المشرق المرتفع . قال أبو عمرو : طحا الرجل : إذا ذهب في الأرض . يقال : ما أدري أين طحا ! ويقال : طحا به قلبه : إذا ذهب به في كل شيء . قال علقمة :

طَحَا بكَ قلبٌ في الحسانِ طَرُوبُ *** بُعَيْدَ الشباب عصرَ حان مشيبُ

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا طَحَىٰهَا} (6)

ولما ذكر البناء ذكر المهاد فقال : { والأرض } أي التي هي فراشكم بمنزلة محال تصرفاتكم بالعقل في المعاني المقصودة { وما طحاها * } أي بسطها على وجه هي فيه محيطة بالحيوان كله ومحاط بها في مقعر الأفلاك ، وهي مع كونها ممسكة بالقدرة كأنها طائحة في تيار بحارها ، وهي موضع البعد والهلاك ومحل الجمع - كل هذا بما يشير إليه التعبير بهذا اللفظ إشارة إلى ما في سعي الإنسان من أمثال هذا ، قال أهل البصائر : وليس في العالم الآفاقي شيء إلا وفي العالم النفساني نظيره ، وانشدوا في ذلك :

دواؤك فيك وما تشعر *** وداؤك منك وتستنكر

وتحسب أنك جزء صغير *** وفيك انطوى العالم الأكبر

فالسماوات سبع كطباق الرأس التي تتعلق بالقوى المعنوية والحسية كالذاكرة والحافظة والواهمة والمخيلة والمفكرة والحس المشترك وما هو لمقاسم البصر في العين ، ونظير الشمس الروح في إشراقه وحسنه ، ونظير الليل الطبع فإن ما به من نور فإنما هو من الروح كما أن الليل كذلك لا يكون نوره إلا من الشمس بواسطة إفادتها للقمر المنير له والكواكب ، ونظير النهار - الذي هو نير في أصله ومتكدر بما يخيل له من السحب ونحوه - القلب وسحبه الشكوك والأوهام النفسية ، ونظير القمر في ظلمته بأصله وإنارته بالشمس النفس ، فإذا أكسبها القلب المستفيد من الروح النور أنار جميع البدن ، وإذا أظلمت أظلم كله ، والأعضاء الباطنة كالكواكب يقوم بها البدن فينير له الوجود بواسطة الروح والنفس ، والأمطار كالدمع ، والحر كالحزن ، والبرد كالسرور ، والرعد كالنطق ، والبرق كالملح ، والرياح كالنفس - إلى غير ذلك من البدائع لمن تأمل ، والعالم السفلي سبع طباق أيضاً ، قال الملوي : " ونظيرها طبقة الجلد " وهي ثلاث ، وطبقة اللحم وطبقة الشحم وطبقة العروق وطبقة العصب ، والجبال كالعظام والمعادن منها المياه وفيها العذب كالريق والملح كالدمع والمر كما في الأذن والمنتن منه كما في الأنف ، ومنه ما هو جار كالبول ، ومنه ما هو كالعيون وهو الدم ، والسيل كالعرق ، والمعادن المنطبعة كالحديد والرصاص هي وسخ الأرض وهي كالعذرة وما يخرج من الجلد من خبث ، والنبات كالشعور تارة تحلق كالحصاد وتارة تقلع كالنتف ، والحيوانات التي فيها كالقمل ، وطيورها كالبراغيث ، وعامر البدن ما أقبل منه ، وخرابه ما أدبر .