نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا طَحَىٰهَا} (6)

ولما ذكر البناء ذكر المهاد فقال : { والأرض } أي التي هي فراشكم بمنزلة محال تصرفاتكم بالعقل في المعاني المقصودة { وما طحاها * } أي بسطها على وجه هي فيه محيطة بالحيوان كله ومحاط بها في مقعر الأفلاك ، وهي مع كونها ممسكة بالقدرة كأنها طائحة في تيار بحارها ، وهي موضع البعد والهلاك ومحل الجمع - كل هذا بما يشير إليه التعبير بهذا اللفظ إشارة إلى ما في سعي الإنسان من أمثال هذا ، قال أهل البصائر : وليس في العالم الآفاقي شيء إلا وفي العالم النفساني نظيره ، وانشدوا في ذلك :

دواؤك فيك وما تشعر *** وداؤك منك وتستنكر

وتحسب أنك جزء صغير *** وفيك انطوى العالم الأكبر

فالسماوات سبع كطباق الرأس التي تتعلق بالقوى المعنوية والحسية كالذاكرة والحافظة والواهمة والمخيلة والمفكرة والحس المشترك وما هو لمقاسم البصر في العين ، ونظير الشمس الروح في إشراقه وحسنه ، ونظير الليل الطبع فإن ما به من نور فإنما هو من الروح كما أن الليل كذلك لا يكون نوره إلا من الشمس بواسطة إفادتها للقمر المنير له والكواكب ، ونظير النهار - الذي هو نير في أصله ومتكدر بما يخيل له من السحب ونحوه - القلب وسحبه الشكوك والأوهام النفسية ، ونظير القمر في ظلمته بأصله وإنارته بالشمس النفس ، فإذا أكسبها القلب المستفيد من الروح النور أنار جميع البدن ، وإذا أظلمت أظلم كله ، والأعضاء الباطنة كالكواكب يقوم بها البدن فينير له الوجود بواسطة الروح والنفس ، والأمطار كالدمع ، والحر كالحزن ، والبرد كالسرور ، والرعد كالنطق ، والبرق كالملح ، والرياح كالنفس - إلى غير ذلك من البدائع لمن تأمل ، والعالم السفلي سبع طباق أيضاً ، قال الملوي : " ونظيرها طبقة الجلد " وهي ثلاث ، وطبقة اللحم وطبقة الشحم وطبقة العروق وطبقة العصب ، والجبال كالعظام والمعادن منها المياه وفيها العذب كالريق والملح كالدمع والمر كما في الأذن والمنتن منه كما في الأنف ، ومنه ما هو جار كالبول ، ومنه ما هو كالعيون وهو الدم ، والسيل كالعرق ، والمعادن المنطبعة كالحديد والرصاص هي وسخ الأرض وهي كالعذرة وما يخرج من الجلد من خبث ، والنبات كالشعور تارة تحلق كالحصاد وتارة تقلع كالنتف ، والحيوانات التي فيها كالقمل ، وطيورها كالبراغيث ، وعامر البدن ما أقبل منه ، وخرابه ما أدبر .