ثم يحدده ويبينه بشكله وصورته : ( النجم الثاقب )الذي يثقب الظلام بشعاعه النافذ . وهذا الوصف ينطبق على جنس النجم . ولا سبيل إلى تحديد نجم بذاته من هذا النص ، ولا ضرورة لهذا التحديد . بل إن الإطلاق أولى . ليكون المعنى : والسماء ونجومها الثاقبة للظلام ، النافذة من هذا الحجاب الذي يستر الأشياء . ويكون لهذه الإشارة إيحاؤها حول حقائق السورة وحول مشاهدها الأخرى . . كما سيأتي . .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
فسرها له؟ فقال: {النجم الثاقب} يعنى المضيء...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
ثم بين ذلك جلّ ثناؤه، فقال: هو النجم الثاقب، يعني: يتوقد ضياؤه ويتوهّج...
عن ابن عباس، في قوله:"النّجْمُ الثّاقِبُ "يعني: المضيء... وثقوبه: إذا أضاء...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أقسم بالنجم الثاقب، وهو المتلألئ من النجوم، المضيء الذي يثقب الشيطان، أو يحرقه، ولما فيها أيضا من عظم البركات. وبركاتها أنها جعلت بحيث يهتدى بها في البر والبحر، ويوصل بها إلى لطائف التدبير...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
والثاقب: المضيء المنير، وثقوبه: توقده وتنوره، تقول العرب: أثقب نارك أي أشعلها حتى تضيئ... والثاقب أيضا العالي الشديد العلو،...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{النجم الثاقب}: المضيء، كأنه يثقب الظلام بضوئه فينفذ فيه.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
ثم بين الله تعالى الجنس المذكور بأنه {النجم الثاقب}، وقيل بل معنى الآية: {والسماء} وجميع ما يطرق فيها من الأمور والمخلوقات، ثم ذكر تعالى بعد ذلك على جهة التنبيه أجل الطارقات قدراً وهو {النجم الثاقب}...
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :
المضيء كأنه يثقب الظلام بضوئه فينفذ فيه أو الأفلاك...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ثم يحدده ويبينه بشكله وصورته: (النجم الثاقب) الذي يثقب الظلام بشعاعه النافذ. وهذا الوصف ينطبق على جنس النجم. ولا سبيل إلى تحديد نجم بذاته من هذا النص، ولا ضرورة لهذا التحديد. بل إن الإطلاق أولى. ليكون المعنى: والسماء ونجومها الثاقبة للظلام، النافذة من هذا الحجاب الذي يستر الأشياء. ويكون لهذه الإشارة إيحاؤها حول حقائق السورة وحول مشاهدها الأخرى.. كما سيأتي...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{النجم} خبر عن ضمير محذوف تقديره: هو، أي الطارق النجم الثاقب. والثقب: خرق شيء ملتئم، وهو هنا مستعار لظهور النور في خلال ظلمة الليل. شبه النجم بمسمار أو نحوه، وظهورُ ضوئه بظهور ما يبدو من المسمار من خلال الجسم الذي يثقبه مثل لَوح أو ثَوب. وأحسب أن استعارة الثقب لبروز شعاع النجم في ظلمة الليل من مبتكرات القرآن ولم يرد في كلام العرب قبل القرآن...
إلا أن صيغة الإفراد في قوله: {الثاقب} ظاهر في إرادة فرد معيّن من النجوم، ويجوز أن يكون التعريف للعهد إشارة إلى نجم معروف يطلق عليه اسم النجم غالباً، أي والنجم الذي هو طارق. ويناسب أن يكون نجماً يَطلع في أوائل ظلمة الليل وهي الوقت المعهود لِطروق الطارقين من السائرين...
قوله تعالى : " والسماء والطارق " قسمان : " السماء " قسم ، و " الطارق " قسم . والطارق : النجم . وقد بينه اللّه تعالى بقوله : " وما أدراك ما الطارق . النجم الثاقب " . واختلف فيه ، فقيل : هو زحل : الكوكب الذي في السماء السابعة . ذكره محمد بن الحسن{[15916]} في تفسيره ، وذكر له أخبارا ، اللّه أعلم بصحتها . وقال ابن زيد : إنه الثريا . وعنه أيضا أنه زحل . وقاله الفراء . ابن عباس : هو الجدي . وعنه أيضا وعن علي بن أبي طالب - رضي اللّه عنهما - والفراء : " النجم الثاقب " : نجم في السماء السابعة ، لا يسكنها غيره من النجوم ، فإذا أخذت النجوم أمكنتها من السماء ، هبط فكان معها . ثم يرجع إلى مكانه من السماء السابعة ، وهو زحل ، فهو طارق حين ينزل ، وطارق حين يصعد . وحكى الفراء : ثقب الطائر : إذا ارتفع وعلا . وروى أبو صالح عن ابن عباس قال : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قاعدا مع أبي طالب ، فانحط نجم ، فامتلأت الأرض نورا ، ففزع أبو طالب ، وقال : أي شيء هذا ؟ فقال : [ هذا نجم رمي به ، وهو آية من آيات اللّه ] فعجب أبو طالب ، ونزل : " والسماء والطارق " . وروي عن ابن عباس أيضا " والسماء والطارق " قال : السماء{[15917]} وما يطرق فيها . وعن ابن عباس وعطاء : " الثاقب " : الذي ترمي به الشياطين . قتادة : هو عام في سائر النجوم ؛ لأن طلوعها بليل ، وكل من أتاك ليلا فهو طارق . قال :
ومثلكِ حُبْلَى قد طرقتُ ومُرْضِعًا *** فألهيتُهَا عن ذي تمائمَ مُغْيِلِ{[15918]}
ألم ترياني كلما جئت طارقا *** وجدت بها طيبا وإن لم تَطَيَّبِ
فالطارق : النجم ، اسم جنس ، سمي بذلك لأنه يطرق ليلا ، ومنه الحديث : [ نهى النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يطرق المسافر أهله ليلا ، كي تستحد المغيبة ، وتمتشط الشعثة{[15919]} ] . والعرب تسمي كل قاصد في الليل طارقا . يقال : طرق فلان إذا جاء بليل . وقد طرق يطرق طروقا ، فهو طارق . ولابن الرومي{[15920]} :
يا راقدَ الليل مسروراً بأوله *** إن الحوادث قد يطرُقْنَ أسحارا
لا تفرحَنَّ بليل طاب أوله *** فرب آخر ليل أجَّجَ النَّارَا
وفي الصحاح : والطارق : النجم الذي يقال له كوكب الصبح . ومنه قول هند{[15921]} :
نحن بناتُ طارقْ *** نمشي على النَّمَارِقْ
أي إن أبانا في الشرف كالنجم المضيء . الماوردي : وأصل الطرق : الدق ، ومنه سميت المطرقة ، فسمي قاصد الليل طارقا ، لاحتياجه في الوصول إلى الدق . وقال قوم : إنه قد يكون نهارا . والعرب تقول : أتيتك اليوم طرقتين : أي مرتين . ومنه قوله صلى اللّه عليه وسلم : ( أعوذ بك من شر طوارق الليل والنهار ، إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن ) . وقال جرير في الطروق :
طَرَقَتْكَ صائدةُ القلوب وليس ذا *** حين الزيارة فارجِعِي بسلام
ثم بين فقال : " وما أدراك ما الطارق . النجم الثاقب " والثاقب : المضيء . ومنه " شهاب ثاقب{[15922]} " [ الصافات : 10 ] . يقال : ثقب يثقب ثقوبا وثقابة : إذا أضاء . وثقوبه : ضوئه . والعرب تقول : أثقب نارك . أي أضئها . قال :
أذاعَ به في الناس حتى كأنه *** بعلياءَ نار أُوقِدَتْ بثُقُوبِ
الثقوب : ما تشعل به النار من دقاق العيدان . وقال مجاهد : الثاقب : المتوهج . القشيري : والمعظم على أن الطارق والثاقب اسم جنس أريد به العموم{[15923]} ، كما ذكرنا عن مجاهد . " وما أدراك ما الطارق " تفخيما لشأن هذا المقسم به . وقال سفيان : كل ما في القرآن " وما أدراك " ؟ فقد أخبره به . وكل شيء قال فيه " وما يدريك " : لم يخبره به .