في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَٱلۡمُلۡقِيَٰتِ ذِكۡرًا} (5)

والمرسلات عرفا . فالعاصفات عصفا . والناشرات نشرا . فالفارقات فرقا . فالملقيات ذكرا : عذرا أو نذرا . . إن ما توعدون لواقع . .

القضية قضية القيامة التي كان يعسر على المشركين تصور وقوعها ؛ والتي أكدها لهم القرآن الكريم بشتى الموكدات في مواضع منه شتى . وكانت عنايته بتقرير هذه القضية في عقولهم ، ، وإقرار حقيقتها في قلوبهم مسألة ضرورة لا بد منها لبناء العقيدة في نفوسهم على أصولها ، ثم لتصحيح موازين القيم في حياتهم جميعا . فالاعتقاد باليوم الآخر هو حجر الأساس في العقيدة السماوية ، كما أنه حجر الأساس في تصور الحياة الإنسانية . وإليه مرد كل شيء في هذه الحياة ، وتصحيح الموازين والقيم في كل شأن من شؤونها جميعا . . ومن ثم اقتضت هذا الجهد الطويل الثابت لتقريرها في القلوب والعقول .

والله سبحانه يقسم في مطلع هذه السورة على أن هذا الوعد بالآخرة واقع . وصيغة القسم توحي ابتداء بأن ما يقسم الله به هو من مجاهيل الغيب ، وقواه المكنونة ، المؤثرة في هذا الكون وفي حياة البشر . وقد اختلف السلف في حقيقة مدلولها . فقال بعضهم : هي الرياح إطلاقا . وقال بعضهم هي الملائكة إطلاقا . وقال بعضهم : إن بعضها يعني الرياح وبعضها يعني الملائكة . . مما يدل على غموض هذه الألفاظ ومدلولاتها . وهذا الغموض هو أنسب شيء للقسم بها على الأمر الغيبي المكنون في علم الله . وأنه واقع كما أن هذه المدلولات المغيبة واقعة ومؤثرة في حياة البشر .

( والمرسلات عرفا ) . . عن أبي هريرة أنها الملائكة . وروي مثل هذا عن مسروق وأبي الضحى ومجاهد في إحدى الروايات ، والسدي والربيع بن أنس ، وأبي صالح في رواية [ والمعنى حينئذ هو القسم بالملائكة المرسلة أرسالا متوالية ، كأنها عرف الفرس في إرسالها وتتابعها ] .

وهكذا قال أبو صالح في العاصفات والناشرات والفارقات والملقيات . . إنها الملائكة .

وروي عن ابن مسعود . . المرسلات عرفا . قال : الريح . [ والمعنى على هذا أنها المرسلة متوالية كعرف الفرس في امتدادها وتتابعها ] وكذا قال في العاصفات عصفا والناشرات نشرا . وكذلك قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وأبو صالح في رواية .

وتوقف ابن جرير في المرسلات عرفا هل هي الملائكة أو الرياح . وقطع بأن العاصفات هي الرياح . وكذلك الناشرات التي تنشر السحاب في آفاق السماء .

وعن ابن مسعود : ( فالفارقات فرقا فالملقيات ذكرا ، عذرا أو نذرا )يعني الملائكة . وكذا قال : ابن عباس ومسروق ومجاهد وقتادة والربيع بن أنس والسدي والثوري بلا خلاف . فإنها تنزل بأمر الله على الرسل ، تفرق بين الحق والباطل . وتلقي إلى الرسل وحيا فيه إعذار إلى الخلق وإنذار .

ونحن نلمح أن التهويل بالتجهيل ملحوظ في هذه الأمور المقسم بها كالشأن في الذاريات ذروا . وفي النازعات غرقا . . وأن هذا الخلاف في شأنها دليل على إبهامها . وأن هذا الإبهام عنصر أصيل فيها في موضعها هذا . وأن الإيحاء المجمل في التلويح بها هو أظهر شيء في هذا المقام . وأنها هي بذاتها تحدث هزة شعورية بإيحاء جرسها وتتابع إيقاعها ، والظلال المباشرة التي تلقيها . وهذه الانتفاضة والهزة اللتان تحدثهما في النفس هما أليق شيء بموضوع السورة واتجاهها . . وكل مقطع من مقاطع السورة بعد ذلك هو هزة ، كالذي يمسك بخناق أحد فيهزه هزا ، وهو يستجوبه عن ذنب ، أو عن آية ظاهرة ينكرها ، ثم يطلقه على الوعيد والتهديد : ( ويل يومئذ للمكذبين ) . .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{فَٱلۡمُلۡقِيَٰتِ ذِكۡرًا} (5)

فالملقيات ذِكرا : الملقيات العلم والحكمة إلى الأنبياء .

ومنهم الملقونَ العلمَ والحكمة .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَٱلۡمُلۡقِيَٰتِ ذِكۡرًا} (5)

{ فالملقيات ذكراً } يعني الملائكة تلقي الذكر إلى الأنبياء ، نظيرها : { يلقي الروح من أمره }( غافر- 15 ) .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{فَٱلۡمُلۡقِيَٰتِ ذِكۡرًا} (5)

" فالملقيات ذكرا " الملائكة بإجماع ، أي تلقي كتب الله عز وجل إلى الأنبياء عليهم السلام . قاله المهدوي . وقيل : هو جبريل وسمي باسم الجمع ؛ لأنه كان ينزل بها . وقيل : المراد الرسل يلقون إلى أممهم ما أنزل الله عليهم . قاله قطرب . وقرأ ابن عباس " فالملقيات " بالتشديد مع فتح القاف ، وهو كقوله تعالى : " وإنك لتلقى القرآن " [ النمل : 6 ]

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{فَٱلۡمُلۡقِيَٰتِ ذِكۡرًا} (5)

اختلف في معنى المرسلات والعاصفات والناشرات والفارقات على قولين :

أحدهما : أنها الملائكة .

والآخر : أنها الرياح ، فعلى القول بأنها الملائكة سماهم المرسلات لأن الله تعالى يرسلهم بالوحي وغيره .

وسماهم العاصفات لأنهم يعصفون كما تعصف الرياح في سرعة مضيهم إلى امتثال أوامر الله تعالى .

وسماهم ناشرات لأنهم ينشرون أجنحتهم في الجو ، وينشرون الشرائع في الأرض ، أو ينشرون صحائف الأعمال وسماهم الفارقات لأنهم يفرقون بين الحق والباطل .

وعلى القول بأنها الرياح ، سماها المرسلات لقوله : { الله الذي يرسل الرياح } [ الروم : 48 ] .

وسماها العاصفات من قوله : { ريح عاصف } [ يونس : 22 ] أي : شديدة .

وسماها الناشرات لأنها تنشر السحاب في الجو ومنه قوله : { يرسل الرياح فتثير سحابا } [ الروم : 48 ] .

وسماها الفارقات لأنها تفرق بين السحاب ومنه قوله : { ويجعله كسفا } [ الروم : 48 ] .

وأما الملقيات ذكرا فهم الملائكة لأنهم يلقون الذكر للأنبياء عليهم السلام والأظهر في المرسلات والعاصفات أنها الرياح لأن وصف الريح بالعصف حقيقة والأظهر في الناشرات والفارقات أنها الملائكة لأن الوصف بالفارقات أليق بهم من الرياح ولأن الملقيات المذكورة بعدها هي الملائكة ولم يقل أحد : أنها الرياح ولذلك عطف المتجانسين بالفاء فقال : والمرسلات فالعاصفات ثم عطف ما ليس من جنسها بالواو فقال : { والناشرات } ثم عطف عليه المتجانسين بالفاء وقد قيل : في المرسلات والملقيات أنهم الأنبياء عليهم السلام .

{ عرفا } معناه : فضلا وإنعاما وانتصابه على أنه مفعول من أجله ، وقيل : معناه متتابعة وهو مصدر في موضع الحال وأما عصفا ونشرا وفرقا فمصادر وأما ذكرا فمفعول به .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَٱلۡمُلۡقِيَٰتِ ذِكۡرًا} (5)

ولما كانت السحاب عقب الفرق ينزل منها{[70830]} ما في ذلك السحاب من ماء أو ثلج أو برد أو صواعق أو غير ذلك مما يريده الله مما يبعث على ذكر الله ولا بد والملائكة تلقي ما معها من الروح المحيي للقلوب ، قال معبراً بفاء التعقيب والتسبيب{[70831]} : { فالملقيات ذكراً * } أطلق عليه الذكر لأنه سببه إن كان محمول السحاب أو محمول الملائكة ، وقد يكون محمول الملائكة ذكر الله{[70832]} حقيقة ، ولا يخفى أنهما سبب لإصلاح الدين والدنيا .


[70830]:من ظ و م، وفي الأصل: فيها.
[70831]:من ظ و م، وفي الأصل: التسبب.
[70832]:من ظ و م، وفي الأصل: ذكره.