وفي نهاية هذه الجولة يعرض عليهم مصائر الذين قالوا قولتهم تلك واتبعوا طريقهم في المحاكاة والتقليد ، وفي الإعراض والتكذيب ، بعد الإصرار على ما هم فيه على الرغم من الإعذار والبيان !
( وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها : إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون . قال : أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم ? قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون . فانتقمنا منهم : فانظر كيف كان عاقبة المكذبين . . )
وهكذا يتجلى أن طبيعة المعرضين عن الهدى واحدة ، وحجتهم كذلك مكرورة : ( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون )أو( مقتدون ) . .
{ إلا قال مترفوها } : أي متنعموها .
{ إنا وجدنا آباءنا على أمة } : أي ملة ودين .
{ وإنا على آثارهم مقتدرون } : أي على طريقهم متبعون لهم فيها .
وقوله تعالى : { وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير } أي رسول إلا قال مترفوها أي متنعموها بنضارة العيش وغضارته { إنا وجدنا آباءنا على أمة } أي ملة ودين { وإنا على آثارهم مقتدون } أي متبعون لهم فيها . فهذه سنة الأمم قبل أمتك يا رسولنا فلا تحزن عليهم ولا تك في ضيق بما يقولون ويعتقدون ويفعلون أيضا . وهو معنى قوله تعالى { وكذلك ما أرسلنا من قبلك } إلى آخر الآية .
- حرمة التقليد للآباء وأهل البلاد والمشايخ فلا يقبل قول إلا بدليل من الشرع .
{ وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا } أي : منعموها ، وملأها الذين أطغتهم الدنيا ، وغرتهم الأموال ، واستكبروا على الحق . { إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ } أي : فهؤلاء ليسوا ببدع منهم ، وليسوا بأول من قال هذه المقالة .
وهذا الاحتجاج من هؤلاء المشركين الضالين ، بتقليدهم لآبائهم الضالين ، ليس المقصود به اتباع الحق والهدى ، وإنما هو تعصب محض ، يراد به نصرة ما معهم من الباطل .
ولما كان ترك المدعو للدليل واتباعه للهوى غائظاً موجعاً ومنكئاً مولماً ، قال يسليه صلى الله عليه وسلم عاطفاً على قوله : { وكذلك } أي ومثل هذا الفعل المتناهي في البشاعة فعلت الأمم الماضية مع إخوانك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ؛ ثم فسر ذلك بقوله : { ما أرسلنا } مع ما لنا من العظمة .
ولما كانت مقالة قريش قد تقدمت والمراد التسلية بغيرهم ، وكان صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين فلا أمة لغيره في زمانه ولا بعده يسليه بها ، سلاه بمن مضى ، وقدم ذكر القبلية اهتماماً بالتسلية وتخليصاً لها من أن يتوهم أنه يكون معه في زمانه أو بعده نذير ، وإفهاماً لأن المجدد لشريعته إنما يكون مغيثاً لأمته وبشيراً لا نذيراً لثباتهم على الدين بتصديقهم جميع النبيين فقال تعالى : { من قبلك } أي في الأزمنة السالفة حتى القريبة منك جداً ، فإن التسلية بالأقرب أعظم ، وأثبت الجار لأن الإرسال بالفعل لم يعم جميع الأزمنة وأسقط هذه القبلية في " سبأ " لأن المراد فيها التعميم لأنه لم يتقدم لقريش ذكر حتى يخص من قبلهم . ولما كان أهل القرى أقرب إلى العقل وأولى بالحكمة والحكم ، قال : { في قرية } وأعرق في النفي بقوله : { من نذير } وبين به أن موضع الكراهة والخلاف الإنذار على مخالفة الأهواء { إلا قال مترفوها } أي أهل الترفه بالضم وهي النعمة والطعام الطيب والشيء الطريف يكون خاصة بالمترف ، وذلك موجب للقلة وهو موجب للراحة والبطالة الصارف عن جهد الاجتهاد إلى سفالة التقليد ، وهو موجب لركون الهواء ولو بان الدليل ، وهو موجب للبغي والإصرار عليه واللجاجة فيه والتجبر والطغيان ، ومعظم الناس في الأغلب أتباع لهؤلاء : { إنا وجدنا آباءنا } أي وهم أعرف منا بالأمور { على أمة } أي أمر جامع يستحق أن يقصد ويؤم وطريقة ودين ، وأكدوا قطعاً لرجاء المخالف من لفتهم عن ذلك { وإنا على آثارهم } لا غيرها ، ثم بينوا الجار والمجرور وأخبروا خبراً ثانياً واستأنفوا لإتمام مرادهم قولهم إيضاحاً لأن سبب القص القدوة : { مقتدون } أي مستنون أي راكبون سنن طريقهم لازمون له لأنهم مقتدون لأن تقدم عليهم ، وحالنا أطيب ما يكون في الاستقامة وأقرب وأسرع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.