جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{وَكَذَٰلِكَ مَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ فِي قَرۡيَةٖ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتۡرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٖ وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم مُّقۡتَدُونَ} (23)

{ وكذلك{[4494]} ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها } متنعموها { إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم {[4495]} مقتدون } فهذه شنشنتهم القديمة ليست مخصوصة بقومك


[4494]:أي: الأمر كما ذكر من عجزهم عن الحجة وتشبثهم بذيل التقليد/12 أبو السعود.
[4495]:استئناف مبين لذلك دال على أن التقليد فيما بينهم ضلال قديم، ليس لأسلافهم أيضا سند غيره، وتخصيص المترفين بتلك المقالة، للإيذان بأن التنعم وحب البطالة هو الذي صرفهم عن النظر إلى التقليد/ 12 أبو السعود، قال الرازي: ولو لم يكن في كتاب الله إلا هذه الآية لكفت في إبطال القول بالتقليد؛ لأنه تعالى ذمهم بأنهم فيما ذهبوا إليه لم يتمسكوا بدليل عقلي ولا نقلي، وذكر هذه المعاني في معرض الذم والتهجين، ذلك يدل على أن القول بالتقليد باطل ومما يدل على بطلانه أنه أمر مشترك بين المحق والمبطل، فلو كان حقا لوجب كون الشيء ونقيضه حقا، ومعلوم أن ذلك باطل. وانتهى ملخصا. وقال الشوكاني بعدما ذم المقلدة في الإسلام: وقد وهب لهم الشيطان عصا يتوكئون عليها عن أن يسمعوا من يدعوهم إلى الكتاب والسنة، وهي أنهم يقولون إن أمامنا الذي قلدناه أعلم بكتاب الله وسنة رسوله، وذلك لأنهم أذهانهم قد تصورت من يقتدون به تصورا عظيما بسبب تقدم العصر وكثرة الأتباع، وما عملوا أن هذا منقوض عليهم مدفوع به في وجوههم، فإنه لو قيل لهم: إن في التابعين من هو أعظم قدرا وأقدم عصرا من صاحبكم، فإن كان لتقدم العصر وجلالة القدر مزية توجب الإقتداء، فتعالوا حتى أريكم من هو أقدم عصرا وأجل قدرا، فإن أبيتم ذلك ففي الصحابة من هو أعظم قدرا من صاحبكم علما وفضلا وجلالة قدر، فإن أبيتم ذلك فها أنا أدلكم على من هو أعظم قدرا وأجل خطرا وأكثر أتباعا وأقدم عصرا وهو محمد بن عبد الله نبينا ونبيكم- صلى الله عليه وأله وسلم- ورسول الله إلينا وإليكم، فتعالوا فهذه سنته موجدة في دفاتر الإسلام ودواوينه التي تلقتها جميع هذه الأمة، قرنا بعد قرن وعصرا بعد عصر، وهذا كتاب ربنا خالق الكل ورازق الكل بين أظهرنا موجود في كل بيت وبين كل مسلم، لم يلحقه تغيير ولا تبديل ولا تحريف ولا تصحيف، ونحن وأنتم ممن يفهم ألفاظه ويتعقل معانيه، فتعالوا لنأخذ الحق من معدنه ونشرب صفو الماء من منبعه، فهو أهدى مما وجدتم عليه آباءكم، قالوا: لا سمع ولا طاعة، إما بلسان الحال أو بلسان المقال، فتدبر هذا وتأمله إن بقي فيك بقية من إنصاف وشعبة من خير وحياء وحصة من دين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم /12 فتح.