جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"إذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ "يقول: حين دخل ضيف إبراهيم عليه، فقالوا له "سلاما": أي أسلِموا إسلاما، "قال سلام".
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة، قال: سَلامٌ بالألف بمعنى قال: إبراهيم لهم: سلام عليكم. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة «سِلْمٌ» بغير ألف، بمعنى، قال: أنتم سلم.
وقوله: "قَوْمٌ مُنْكَرُونَ" يقول: قوم لا نعرفكم.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{إِذْ دَخَلُواْ...}... وأصله: نسلم عليكم سلاماً، وأمّا {سلام} فمعدول به إلى الرفع على الابتداء، وخبره محذوف، معناه: عليكم سلام، للدلالة على ثبات السلام، كأنه قصد أن يحييهم بأحسن مما حيوه به، أخذا بأدب الله تعالى. وهذا أيضاً من إكرامه لهم.
{قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} أنكرهم للسلام الذي هو علم الإسلام. أو أراد: أنهم ليسوا من معارفه أو من جنس الناس الذين عهدهم، كما لو أبصر العرب قوماً من الخزر أو رأى لهم حالاً وشكلاً خلاف حال الناس وشكلهم، أو كان هذا سؤالاً لهم، كأنه قال: أنتم قوم منكرون، فعرّفوني من أنتم.
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
{قوم منكرون} والذي يناسب حال إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه لا يخاطبهم بذلك، إذ فيه من عدم الإنس ما لا يخفى، بل يظهر أنه يكون التقدير: هؤلاء قوم منكرون. وقال ذلك مع نفسه، أو لمن كان معه من أتباعه وغلمانه بحيث لا يسمع ذلك الأضياف.
التفسير القيم لابن القيم 751 هـ :
ففي هذا الثناء على إبراهيم صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة:
أحدها: أنه وصف ضيفه بأنهم مكرمون. وهذا على أحد القولين: أنه بإكرام إبراهيم لهم،
والثاني: أنهم المكرمون عند الله. ولا تنافي بين القولين: فالآية تدل على المعنيين.
الثاني: قوله تعالى: {إذ دخلوا عليه} فلم يذكر استئذانهم. ففي هذا دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان قد عرف بإكرام الضيفان واعتياد قراهم. فصار منزله مضيفة مطروقا لمن ورده، لا يحتاج إلى الاستئذان، بل استئذان الداخل إليه دخوله. وهذا غاية ما يكون من الكرم.
الثالث: قوله: {سلام} بالرفع. وهم سلموا عليه بالنصب. والسلام بالرفع أكمل. فإنه يدل على الجملة الإسمية الدالة على الثبوت والتجدد، والمنصوب يدل على الفعلية الدالة على الحدوث والتجدد. فإبراهيم صلى الله عليه وسلم حياهم بتحية أحسن من تحيتهم. فإن قولهم: {سلاما} يدل على: سلمنا سلاما، وقوله: {سلام} أي سلام عليكم.
الرابع: أنه حذف المبتدأ من قوله: {قوم منكرون} فإنه لما أنكرهم ولم يعرفهم احتشم من مواجهتهم بلفظ ينفر الضيف لو قال: أنتم قوم مكرمون، فحذف المبتدأ هنا من ألطف الكلام.
الخامس: أنه بنى الفعل للمفعول، وحذف فاعله، فقال: {منكرون} ولم يقل: أني أنكركم. وهو أحسن في هذا المقام، وأبعد من التنفير والمواجهة بالخشونة...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والمنكر: الذي ينكره غيره، أي لا يعرفه. وأطلق هنا على من ينكّر حاله ويظن أنه حال غيرُ معتاد، أي يخشى أنه مضمِر سوء، كما قال في سورة هود (70) {فلما رأى أيديهم لا تصِلُ إليه نَكرهم وأوجس منهم خِيفة}
قوله تعالى : " إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما " تقدم في " الحجر{[14229]} " . " قال سلام " أي عليكم سلام . ويجوز بمعنى أمري سلام أو ردي لكم سلام . وقرأ أهل الكوفة إلا عاصما " سِلم " بكسر السين . " قوم منكرون " أي أنتم قوم منكرون ، أي غرباء لا نعرفكم . وقيل : لأنه رآهم على غير صورة البشر ، وعلى غير صورة الملائكة الذين كان يعرفهم فنكرهم ، فقال : " قوم منكرون " . وقيل : أنكرهم لأنهم دخلوا عليه من غير استئذان . وقال أبو العالية : أنكر سلامهم في ذلك الزمان وفي تلك الأرض . وقيل : خافهم ، يقال أنكرته إذا خفته ، قال الشاعر{[14230]} :
فأنْكَرْتَنِي وما كان الذي نَكِرَتْ *** من الحوادث إلا الشَّيْبَ والصَّلَعَا
{ فقالوا سلاما } نصب هذا لأنه في معنى الطلب وهو مفعول بفعل مضمر ، ورفع الثاني لأنه خبر تقديره أمري سلام ، وهذا على أن يكون السلام بمعنى السلامة ، وإن كان بمعنى التحية فإنما رفع الثاني ليدل على إثبات السلام فيكون قد حياهم بأكثر مما حيوه وينتصب السلام الأول على هذا على المصدرية تقديره سلمنا عليك سلاما ، ويرتفع الثاني بالابتداء تقديره : سلام عليكم قوم منكرون أي : لم يعرفهم .
{ إذ } أي حديثهم حين { دخلوا عليه } أي دخول استعلاء مخالف لدخول بقية الضيوف { فقالوا سلاماً } أي نحدث ، ثم استأنف الأخبار عن جوابه بقوله : { قال } أي بلسانه : { سلام } أي ثابت دائم ، فهو أحسن من تحيتهم .
ولما كان ما ذكر من دخولهم وسلامهم غير مستغرب عند المخاطبين بهذا ، وكانت القصة قد ابتدئت بما دل على غرابة ما يقص منها{[61369]} ، تشوف السامع إلى ما كان بعد هذا فأجيب بقوله : { قوم } أي ذوو قوة على ما يحاولونه ويقومون فيه { منكرون * } أي حالهم لإلباسه أهل لأن ينكره المنكر ، وقدم هذا على موضعه الذي كان أليق به فيما يظهر بادي الرأي ، وإيضاحاً لأن السياق لخفاء{[61370]} الأسباب على الآدمي وبعدها وإن كانت في غاية الظهور والقرب ولو أنه غاية العلو {[61371]}فإن إنكاره{[61372]} لهم كان متأخراً عن إحضار الأكل لكونهم لم يأكلوا ، وهذا القول كان في نفسه ولم يواجههم به .
قوله : { إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما } سلاما ، منصوب على المصدر . أي أسلموا سلاما { قال سلام } سلام ، مرفوع على أنه مبتدأ وخبره محذوف وتقديره : سلام عليكم . أو خبر لمبتدأ محذوف وتقديره : أمري سلام{[4335]} .